للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ، فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} ١، فهل القرآن المجيد محفوظ في لوحٍ، فتكون الفاصلة مرفوعة؟ أم القرآن المجيد كائن في اللوح المحفوظ، فتكون الفاصلة محفوضة؟

إن القارئ الذي يظن أنه وقع على المعنى الألطف من خلال الحركة الإعرابية المناسبة، لا يسمح لنفسه إلّا بخفض الفاصلة, فهي في نظره لازمة الحفض لا محال, وربما لا يغيب عنه أن ما ارتآه من الخفض يستلزم أن يكون قوله: {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} بهذا التنوين الذي يفيد التنكير، مساويًا لقوله: "في اللوح المحفوظ" بالتعريف العهدي الذي يوحي بأن هذا اللوح هو "المحفوظ " المعروف في عالم الغيب, ولكنه يحسب قراءة الرفع أبعد عن سياق الآي، وأشدَّ مجافاةً للأسلوب العربيّ المبين٢!

وكثير من هذه المواقع الإعرابية المشكلة في فواصل القرآن قد خضع حتمًا لتنوع القراءات وتضارب بعضها مع بعض، وتَرَجُّحها بين صوتين متضادّين، وحركتين متقابلتين؛ كالضم والكسر مثلًا, ولكن اختلاف القراءات يرتَدُّ -في أكثر صوره- إلى نزول القرآن على سبعة أحرف٣، وأهم هذه الأحرف جميعًا هو اختلاف اللهجات٤؛ وقد رأينا القرآن حريصًا على ما فصح من لهجات العرب، رادًّا منها ما استقبحه واستهجنه٥, فليس في إيثاره لهجةً على لهجة، أو في نزوله بحرف دون حرف، خروج على قوانين الإعراب, كيف وهذه القوانين


١ سورة البروج ٢١-٢٢. "وقارن بإملاء ما من به الرحمن للعكبري ٢/ ١٥٢".
٢ لذلك قرأ نافع وحده بالرفع، والباقون بالكسر "الإتحاف ٤٣٦".
٣ لم نقل: جميع صور الاختلاف بين القراءات يرتد إلى الأحراف السبعة، لئلَّا يظن ظانٌّ أن الأحرف السبعة هي القراءات السبع, وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة. وانظر الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي ١/ ١٣٨.
٤ مباحث في علوم القرآن ١١٣. "الطعبة الخامسة".
٥ راجع ما ذكرناه في فصل "العربية الباقية وأشهر لهجاته"، ثم فصل "مقاييس اللغة الفصحى".

<<  <   >  >>