للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمقيسة والمسموعة، والمستعملة والمهملة، والمشتقة والمنحوتة١.

على أننا لا نستبعد تطاول أيدي بعض النحاة إلى وضع شيء من الأحاديث الشريفة تارةً، وتأويلها على ما يحلو لهم تارةً أخرة، ليتخذوها حجةً لهم في إلزام الناس بمراعاة الإعراب، وتحذيرهم من اللحن ولا سيما في تلاوة القرآن.

وفي طائفة من تلك الأحاديث ينسب إلى النبي الكريم ذكر اللحن صراحة، يأباه لنفسه، أو ضمنًا، يحذر منه صحبه, فتوشك تلك الأحاديث -بسبب هذا الفظ الصريح أو ذلك المفهوم الضمني- أن تتعرض لنقد شديد لا تسلم معه من التضعيف والتوهين، وربما الوضع في بعض الأحيان.

من ذلك ما نسبوه إليه -صوات الله عليه- من قوله: "أنا من قريش، ونشأت في بني سعد، فأنى لي اللحن! "٢، فلفظ اللحن هنا يكاد يصرخ بنفسه، ثم يضج في الصراخ منكرًا وجوده في هذا السياق، مؤكدًا أن الذين أدرجوه في الحديث غُيُرٌ على النحو، هيّابون من اللحن، مأخوذون بسحر الإعراب.

ذلك بأن التاريخ لم يعرف اللحن في دنيا العرب بمعنى مخالفة التعبير الصحيح, قبل أن يختلط هؤلاء بالأعاجم ويأخذوا في التفرقة بين فصاحة المنطق وفساد اللسان.


١ حتى المستشرقون اعترفوا بدقة مقاييس النحاة وتعبيرها عن طبيعة العربية الفصحى, وتلخيصًا لآراء المنصفين منهم. اقرأ "العربية" فك ص٢.
٢ وقد أشار الأستاذ سعيد الأفغاني بحقٍّ إلى توهين المحدثين لهذا الخبر المنسوب إليه -صلوات الله عليه، وإن رواه السيوطي في الجامع الصغير عن الطبراني. "قارن بأصول النحو ص٧ ح٢". وقد شاع هذا الحديث بذاك اللفظ, واشتهر حتى أصبح يذكر في كتب اللغة. انظر على سبيل المثال المزهر ٢/ ٣٩٧.

<<  <   >  >>