للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاللحن لم يكتب هذا المدلول الخاص إلّا في وقت متأخر بعد أن تعارف الناس على تغيير معناه اللغوي الأصلي١، فكيف يستعمله النبي -صلى الله عليه وسلم- بمعنى الخطأ في اللغة, ويحرص على أن ينفي عن نفسه هذا الخطأ؟

لا سبيل لأن يسلم الحديث من النقد إذا أصرَّ المحتجون به على أن يجعلوا "اللحن" فيه مرادفًا للخروج على قواعد الإعراب؛ لأن العرب في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يعرفوا لمثل هذا اللحن كنهًا أوحقيقة.

فإن لم يرادف "اللحن" عندهم إلّا عيوب المنطق في الرُّتَّة واللُّفَّة واللَّجْلَجَة والحُبْسَةِ والعِيّ والحَصْر٢، فلا ضير أن ينفي أفصح العرب -عليه السلام- عن لسانه المبين ولغته الفطرية البليغة عيوبًا تلحق باللسان، فتغض من البيان.

وإن صح بعد هذا، أنه -صلوات الله عليه- حضَّ على قراءة القرآن بإعراب، فقال: "من قرأ القرآن بإعراب فله أجر شهيد"٣، لم يكد عاقل في الدنيا يفهم من لفظ الإعراب التزام قواعد النحاة، فما ولد أولئك النحاة بعد ولا نحوهم، ولا ضبط شيء من مقاييسهم ومعاييرهم! وإنما يفهم من الإعراب حينئذ وضوح المنطق، وظهور المخارج، وخلوّ التلاوة من عيوب اللسان التي تذهب بالكثير من حلاوة القرآن ...

وبهذا يسهل علينا تفسير ما عسى أن ينخدع به الناس من الأحاديث التي تتساهل في أمر الإعراب، أو تبدو كالمتساهلة فيه؛ إذ تتسامح


١ أما معناه اللغوي الأصلي فهو أسلوب التعبير أو طريقته, ومنه قوله تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} . وقارن بالعربية "فك" ٢٣٥.
٢ راجع معاني هذه الألفاظ في فقه اللغة الثعالبي ص١٧١.
٣ قارن كنز العمال ١/ ٤٧٥ بـ"آداب المعلمين فيما دَوَّنَ محمد بن سحنون التنوخي عن أبيه" ص٤٠ "نشر حسن حسني عبد الوهاب، تونس ١٣٥٠هـ".

<<  <   >  >>