للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القراءة، حتى قال الزمخشري، "إن الفصل بين المتضايفين لو كان في مكان الضرورات وهو في الشعر لكان سمجًا مردودًا, فكيف به في القرآن المعجز؟ "١.

لا يسعنا، أزاء هذا، أن ننكر تسلط بعض النحاة على الناس، بيد أن التسلط لا يعني أن ظواهر الإعراب كلها موضوعة، وأن الأخبار حولها جميعًا قصص خيالية طريفة، وإنما يعني أن النحاة لم يألوا جهدًا في إقرار قواعدهم وتثبيت مقاييسهم, وليس ثمة بواعث ذات شأنٍ تحمل الباحثين المعاصرين على رمي النحاة بوضع هذه الحقائق له جملة وتفصيلًا، كأنَّ أحدًا من العرب لم يعرب كلامه قط!

ومن قبل الباحثين المعاصرين نادى ابن مضاء القرطبي٢ بإلغاء بعض القواعد النحوية الهامة، واستبدال غيرها بها؛ كنظرية العامل التي تعتبر من أسس الإعراب الأولى، فهو لا يرى مسوغًا لهذه الاختلافات مثلًا حول عامل الرفع في المبتدأ، أهو الابتداء؟ كما يقول البصريون، أم الخبر؟ كما يزعم الكوفيون، وحول عامل الرفع في الفعل المضارع، أهو تجرده عن الناصب والجازم كما هو مذهب البصريين، أم هو حرف


١ الكشاف ٢/ ٤٢, وقارن بأسرار اللغة ١٣٢, وإنما وقف الزمخشري من هذه القراءة موقف المستنكر، لاعتقاده بأن "القراءات اختيارية، تدور مع اختيار الفصحاء, واجتهاد البلغاء" انظر البرهان.
وقد دافع الدمياطي في "إتحاف فضلاء البشر ١١٧" عن ابن عامر في قراءته هذه، بأنه أعلى القراء السبعة سندًا وأقدمهم هجرة، وأنه من كبار التابعين الذي أخذو عن الصحابة، وهو مع ذلك عربي صريح من صميم العرب، وكلامه حجة وقوله دليل؛ لأنه كان قبل أن يوجد اللحن.
٢ هو أحمد بن العباس بن محمد بن مضاء اللخمي، أبو العباس، أصله من قرطبة، وقد تركها إلى إشبيلية حيث درس كتاب سيبويه على ابن الرماك، وأخذ الحديث عن القاضي عياض, وكان فوق هذا عارفًا بالطب والحساب والهندسة, توفي سنة ٥٩٢هـ. "راجع بغية الوعاة ١٣٩, والديباج المذهب ٤٨".

<<  <   >  >>