للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المضارعة كما يرى الكسائي١؟

ويبدو أن ابن مضاء كان قليلًا من يؤمن بجدوى القياس في دراسة العربية، ويرى أنّ أكثر تعسف النحاة إنما جاءهم من إسرافهم في الصيغ والأبنية القياسية، فهو يحذِّرُ من هذه الوسائل المتحجرة الجامدة في صياغة الكلام العربي, فإذا قال ابن جني: "واعلم أن من قوة القياس عندهم اعتقاد النحويين أن ما قيس على كلام العرب فهو عندهم من كلام العرب"٢. انبرى ابن مضاء ما في هذا الاعتقاد من التكلف فقال: "والعرب أمة حكيمة، فكيف تشبه شيئًا بشيء، وتحكم عليه بحكمه، وعلة حكم الأصل غير موجودة في الفرع؟ وإذا فعل واحد من النحويين ذلك جُهِّلَ ولم يقبل قوله، فلم ينسبون إلى العرب ما يجهّل به بعضهم بعضًا؟ وذلك أنهم لا يقيسون الشيء ويحكمون عليه بحكمه، إلا إذا كانت علة حكم الأصل موجودة في الفرع! وكذا فعلوا في تشبيه الاسم بالفعل في العمل، وتشبيههم إن وأخواتها بالأفعال المتعدية في العمل"٣.

وابن جني يحكي آراء النحويين، وتعجبه تعليلًاتهم لظواهر الإعراب، ولكنه يستشعر بين الحين والحين ضعف تلك العلل، فلا يملك نفسه من التصريح بضعفها، كأنه يراها لا تخلو من الصنعة والتكلف, فهو يقول مثلًا: "اعلم أن محصول مذهب أصحابنا، ومتصرف أقوالهم، مبنيٌّ على جواز تخصيص العلل، وذلك أنها وإن تقدمت علل الفقه فإنها أو أكثرها إنما تجري مجرى التخفيف والفرق، ولو تكلف متكلف نقضها لكان ذلك ممكنًا، وإن كان على غير قياس ومستثقلًا، ألَا تراك لو تكلفت تصحيح فاء ميزان وميعاد, لقدّرت على ذلك، فقلت: "مِوْزان


١ انظر كتاب الرد على النحاة ص٨٥ إلى ١٠٦.
٢ الخصائص ١/ ١١٩.
٣ الرد على النحاة ١٥٦-١٥٧.

<<  <   >  >>