للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وموعاد"؛ وكذلك لو آثرت تصحيح فاء موسر وموقن لقدرت على ذلك، فقلت:"مُيْسر ومُيْقن" وكذلك لو نصب الفاعل، ورفعت المفعول، أو ألغيت العوامل من الجوار والنواصب والجوازم، لكنت مقتدرًا على النطق بذلك، وإن نفي القياس تلك الحال؛ وليست كذلك على المتكلمين، لأنها لا قدرة لها على غيرها"١.

ولو لم يصرح ابن جني بهذا, لعدناه من متكلفي النحاة الذين يأبون إلّا أن يروا عللهم على وجه الحكمة كيف وقعت، مع أن اللغة وعللها وأقيستها ليست منطقية دائمًا، فبين لغة العقل والمنطق، ولغة الإرادة والرغبة، ولغة الانفعال والحساسية، فروق لا يجهلها أحد٢.

لذلك ردَّ بعض الباحثين كثيرًا من تعليلات الأقدمين، وأكدوا أنها ليست من المنطق في شيء، ورموا العرب بضعف التعليل، ونبهوا إلى أن عمل النحوي في دراسة التراكيب يمتثل في التمييز بين أنواع الجمل المختلفة، ثم تعيين المجموعات التي تسير على نظام ثابت، في كل نوع؛ إذ تخلو من الحروف المتنافرة, ويسهل النطق بها٣.

ولم ينكر أحد من الباحثين المعاصرين، مع ذلك، أن كثرة اشتغال النحاة العرب القدامى بالتعليل والقياس، وأخذهم بالأنبينة المقيسة, دليل على غنى مباحثهم اللغوية، بل على ترفهم في تلك المباحث٤.

وإذا كان بعض النقاد اليوم في هجومهم الصاعق على الإعراب يحسبون أنهم إنما يتبعون ابن مضاء، فإنه لم يبلغ بآرائه الجديدة في النحو حد إنكار ما للحركة الإعرابية من مدلول، بل كان -على العكس


١ الخصائص ١/ ١٤٨-١٤٩, باب تخصيص العلل.
٢ قارن بفندريس ١٨٢.
٣ قارن بدلالة الألفاظ, للدكتور إبراهيم أنيس, ص٢٨ وما بعدها.
٤ النحو العربي على ضوء اللغات السامية ٨٤.

<<  <   >  >>