للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأن الشخص المذكور عندما نفسد عليه إعراب الكلمات سيجد نفسه أمام خليط من الألفاظ والتعابير ليس عاميًّا كله ففهمه فهم العامة، ولا فصيحًا كله، فيفهم منه بعض على قدر استعداده؛ وإنما سيفهم الفكرة فهمًا سقيمًا مشوهًا، فهو -على جهله التام بقواعد الإعراب- لا يستوعب حزئيات الفكرة, ولا يلمح الترابط بين أجزائها, إلا إذا قرئت عليه قراءة نحوية صحيحة, ولذلك يسلك هذا الشخص في السمعيين لا البصريين، فهو يفهم الخبر الذي يتلوه المذيع وهو يستمع إليه أكثر مما يفهمه إذا قرأه بنفسه وهو ينظر في الصحيفة؛ لأن المذيع يراعي أحكام الإعراب فيفصح ويبين، أما قارئ الصحيفة فيفقد الروابط الحقيقية بين ألفاظٍ يعرف بعضها عن طريق الإلف والعادة، ويجهل بعضها الآخر؛ لأنها لم تطرق سمعه، فهذا القدر المحدود من الفهم -الذي يتفاوت بتفاوت الأشخاص والثقافات- ليس مصدره فقدان الحركات الإعرابية، وإلّا لكان يجب أن يكون فهمًا تامًّا من كل وجه، وهو ما ينكره الواقع ويأباه.

وحين ينقل لنا: أن ربيعة تقف بالسكون على الاسم المنون المنصوب فتقول: هل رأيت زيدْ، مثلما تقول: جاء زيدْ، ومررت بزيدْ، في المنون المرفوع والمجرور؛ وإن طيئًا تقف على جمع المونث السالم بإبداله تائه هاء فقتول: "دفن البناه، من المكرماه" كما في المفرد المنتهي بالتاء كالصلاة والزكاة١، بل إن لخمًا تقف على ضمير الغائبة بحذف ألفه؛ فتقول: والكرامة ذات أكرمكم الله به" أي بها، وقضاعة تقول: المال له، ومررت به٢, حين يُنْقَل لنا هذا أو أضرابه نستطيع أن نفسره بظاهرة الشذوذ "اللاشعوري" في النطق، لا بظاهرة المخالفة


١ اللهجات ١٢٤.
٢ الخصائص ١/ ٤١٠.

<<  <   >  >>