للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ربما خُيِّلَ إلى الباحث أن في وسعه الدفاع عن هذه النظرية بذهابه إلى أن تجريد حرف الوسط -على نحو ما رأيت في المثال- ليس إلّا ضربًا من الافتراض العقلي يرد به الثلاثي إلى أصله الثنائي في صورة ذهنية، لا واقعية, وحينئذ لا نرتاب نحن في أن النظرية عقلية بحث، واحتمالية صرف؛ فما هي -بشهادة أصحابها- من الواقعية في شيء، ولا تمت إلى الحقيقة التاريخية بسبب.

فأنى لنا بعد هذا، أن نَرُدَّ "عبل"، و"عبث" إلى "عثا"، و"عبد" إلى "عدا"؟ وأين كانت مواقع الباءات في الأصل قبل حشوها في أوساط هذه الكلمات؟ ولم زيدت عليها، دون غيرها من الحروف، مع أنها لم تكن قبل فيها، وما لنا، وقد رأيناها مزيجة بطريقة ما، لا نزال نتصور أن نفترض انسلاخها من الأبنية التي تأصلت فيه حتى استحالت جزءًا من صيغها؟

إن الأمر لا يعدو عن الاحتمال والظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا. من الإنصاف للاستاد العلايلي أن نؤكد استشعاره ما في هذه النظرية من "الأخذ الاحتمالي"؛ لأنها تقابل لديه الطريقة التي قررها أكثر اللغويين في دراسة المزيج على الثلاثي بأحرفه جميعًا "الفاء والعين واللام"، فلم تكن تلك الطريقة "التقليدية" إلّا أخذًا احتماليًّا أيضًا.

والعلايلي لا ينكر أن هذا الأخذ الاحتمالي الشائع "قد يبدو على بعض الكلمات ضررويًّا حين لا يظهر تمام الجامع في الحشو"١.

ومن الإنصاف له مرةً أخرى أن نشيد ببعد نظره، وسداد رأيه، حين لم يبال في العمل اللغوي بشيء من هذه الاحتمالات "قديمة وحديثة"، فقد صرَّح بقلة غنائها، وخلص إلى أن الثنائية، كما فهمها هو أو غيره من الباحثين، لم تكن سوى مرحلة تاريخية، وأكد بلهجة قاطعة


١ مقدمة لدراسة لغة العرب "حاشية ص٢٠١".

<<  <   >  >>