للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للقياس، أو قل: إن إنكاره لم يكن ليمنع ورود السماع القديم بما نهى عنه القياس الحديث, وهل تجد تعليلًا لهذا أوضح من أن يقول ابن فارس مثلًا في "الهمزة والهاء": "ليس بأصل واحد؛ لأن حكايات الأصوات ليست أصولًا يقاس عليها, ثم يستدرك معقبًا: "لكنهم يقولون: أهَّ أهَّةً وآهةً"١؟

فإذا نقلوا عن الخليل بعد ذلك أن يقال لحكاية الأصوات في العساكر ونحوها: آه، واستشهدوا على هذا بقول الشاعر:

في جحفلٍ لَجِبْ جَمٍّ صواهلُهُ ... بالليل تُسْمَعُ في حافاته آءُ

ثم استنتجوا من مثل هذا الشاعر أن "الحكايات ليست أصولًا يقاس عليها"٢، فلذلك لا يعني الحَجْر على ألسنة المطبوعين أن تولّد من "الآء" فعلًا أو مصدرًا أو صفة، فما يملك هذا الحَجْرَ نحويّ ولا لغوي إذا استخفَّ مطبوع ما استثقلاه، أو أطلق الاشتقاق من الأغلال بها قيداه! لكنّ الصحيح في هذا الأمر أن لسماع لم يثبت في مثله، وإن كان هذا السمع لا يعلل دائمًا في حالتي السلب والإيجاب تعليلًا منطقيًّا، فلو ثبت سماع هذا الضرب من الاشتقاق لما كان سرّ ثبوته خفة اللفظ ورشاقته، كما أنه لو انتفى سماعه ما كان استثقال اللفظ واستقباحه علة تركه وإهماله.

وبمثل هذا النمط من البحث يعالج تشدد اللغويين في أمر الاشتقاق من الأسماء الأعجمية، فتحريمهم هذا النوع من الاشتقاق لا ندري على أيِّ مستند يقوم، وإنه لمستند واهٍ لا يطيق الوقوف على ساقيه أمام هذه الكثرة من الشواهد التي أكدت تعريب الفصحاء لطائفة من الأسماء


١ المقاييس ١/ ٢٢.
٢ نفسه ١/ ٣٣.

<<  <   >  >>