للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأعجمية، ثم استعمالهم إياها بطلاقة وحرية خُيِّلَتَا إلى الباحثين أحيانًا أنها عربية خالصة١.

وفي هذا كله برنهان قوي لا يمكن مدافعته على أن الاشتقاق من أسماء الأعيان مُقَدَّمٌ على الاشتقاق من أسماء المعاني.

ولكن الروح الذي وجّه علماءنا إلى القول بأن المصدر لا الجواهر هي أصل الاشتقاق، هو الروح نفسه الذي وجههم أيضًا إلى ترجيح أصل على أصل إذا ترددت الكلمة بين رابطين أو أكثر من روابط الاشتقاق.

وهذا هو الروح التقليلدي الذي يأبى أن يقيس الحقائق اللغوية إلّا بمقاييس الشرف واللياقة والسهولة والتقييد والتخصيص، وأكثرها نسبي, وبعضها من اصطلاح أهل المنطق.

ولقد يكون من المستساغ إذا ترددنا في لفظ العُقَار مثلًا، هل نرده إلى عقر الفهم, أم إلى ما في العقار من الإسكار ثم عقر صاحبها، أن نرجح ما رجحوه من أن ردَّه إلى عقر الفهم أقرب, وكذلك نستسيغ رد "مهدد" علمًا إلى "المهد" لا إلى "الهد"؛ لأن باب "كَرُمَ" أمكن وأوسع وأفصح وأخف من باب "كَرَّ", فيرجح بالأمكنية.

ولكننا لا نستطيع أن نفهم حين تدور كلمة "الله" فيمن اشتقها بين الاشتقاق من أله أو لوه أو وله، لماذا تكون من "أله" أشرف وأقرب؟!

ولا نستطيع أن ندرك لِمَ يكون اشتقاق المعارضة من العرض بمعنى الظهور أولى من اشتقاقها من العرض وهو الناحية! ولا لِمَ يكون اشتقاق "هدى يهدي" من الهداية بمعنى الدلالة, لا من "الهوادي" المتقدمات٢!


١ قارن بأصول النحو ٢٩ والاشتقاق "لعبد الله أمين" ص١٤٨-١٥٢, وسنزيد هذه الفكرة وضوحًا في فصل "التعريب".
٢ العلم الخفاق ص١٨.

<<  <   >  >>