للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين نوعي الاشتقاق المذكورين زيادة في التفصيل والإيضاح.

وقد فطن الخليل بن أحمد الفراهيدي "المتوفى سنة ١٧٥هـ" إلى هذه الروابط المعنوية في الاشتقاق الكبير كما فطن إليها قبل ابن جني أستاذه أبو علي الفارسي "المتوفي سنة ٣٧٧هـ" إلّا أن الذي توسَّع فيها وفي ضرب الأمثلة الموضحة لها هو ابن جني نفسه، وإن كان لم يزعم اطراد هذا النوع من الاشتقاق في جميع مواد اللغة، بل صرَّح باستحالة الاطراد والإحاطة فقال: "واعلم أنا لا ندَّعي أن هذا مستمر في جميع اللغة، كما لا ندعي للاشتقاق الأصغر أنه في جميع اللغة، بل إذا كان ذلك "الذي هو في القسمة سُدُسُ هذا أو خُمُسَه" متعذرًا ٢ صعبًا، كان تطبيق هذا وإحاطته أصعب مذهبًا، وأعزّ ملتمسًا"١.

وإذا كان ابن جني -على ولوعه بهذا الاشتقاق الكبير- "أو الأكبر كما يسميه" يترفق فيه ولا يبالغ، فقد تكلف بعضهم فيه وفي غيره تكلفًا لا يطاق، فخرجوا على مدلول اللفظ الأصلي، وتعسَّفُوا في التعليل والتفسير؛ فهذا حمزة بن الحسن الأصبهاني يقول في كتاب "الموازنة": "كان الزجاج يزعم أن كل لفظتين اتفقتا ببعض الحروف، وإن نقصت حروف إحداهما عن حروف الأخرى، فإن إحداهما مشتقة من الأخرى؛ فتقول: الرَّحْل مشتق من الرَّحيل، والثور إنما سمي ثورًا لأنه يثير الأرض، والثوب إنما سمي ثوبًا لأنه ثاب "أي رجع" لباسًا بعد أن كان غزلًا، حسيبه الله! "٢.

وأمثال هذه المبالغات التي يظهر عليها التكلف حملت السيوطي على أن يقول عن هذا الاشتقاق الكبير: "إنه ليس متعمدًا في اللغة، ولا يصح أن يستنبط به اشتقاق في لغة العرب"٣، بل نجد ابن جني نفسه


١ الخصائص ١/ ٥٣٠.
٢ انظر المزهر ١/ ٣٥٤.
٣ المزهر ١/ ٣٤٧.

<<  <   >  >>