لا يسلم -رغم اعتداله وترفقه- من نقد السيوطي له في هذا الموضوع، إذ يتهمه بأنه توسَّعَ في هذا الاشتقاق "بيانًا لقوة ساعده, وردّه المختلفات إلى قدر مشترك، مع اعترافه وعلمه بأنه ليس موضوع تلك الصيغ، وأن تراكيبها تفيد أجناسًا من المعاني مغايرة للقدر المشترك"؛ وأخيرًا يفصل السيوطي هذا الباب برأيٍ معتدلٍ سديدٍ فيقول:"وسبب إهمال العرب له, وعدم التفات المتقدمين إلى معانيه, أن الحروف قليلة، وأنواع المعاني المتفاهمة لا تكاد تتناهى؛ فخصوا كل تركيب بنوع منها، ليفيدوا بالتراكيب والهيئات أنواعًا كثيرة؛ ولو اقتصروا على تغاير المواد، حتى لا يدلوا على معنى الإكرام والتعظيم إلّا بما ليس فيه شيء من حروف الإيلام والضرب -لمنافاتها لهما- لضاق الأمر جدًّا، ولاحتاجوا إلى ألوف حروف لا يجدونها" إلى أن يقول: "ففي اعتباره المادة دون هيئة التركيب من فساد اللغة ما بينت لك، ولا يُنْكَرُ مع ذلك أن يكون بين التراكيب المتحدة المادة معنًى مشتركٌ بينها, هو جنس لأنواع موضوعاتها؛ ولكن التحيّل على ذلك في جميع مواد التركيبات كطلبٍ لعنقاء مغرب"١.
ويميل بعض الباحثين المعاصرين إلى القول بأن أصحاب الاشتقاق الكبير "اقتبسوا فكرة تقليب الأصول من معجم العين "للخليل" وأمثاله؛ فقد سلك صاحب العين, وصاحب الجمهرة "ابن دريد", وغيرهما, مسلكًا عجبيًا في ترتيب الكلمات، فكان كلٌّ منهم حين يعرض لشرح كلمة من الكلمات يذكر معها تقلباتها، ويذكر معنى كل صورة من صورها دون التعرّض للربط بين دلالات تلك الصور, فهي طريقة إحصائية أو قسمة عقلية لجأ إليها أصحاب هذه المعاجم بغية حصر كل المستعمل من كلمات اللغة، وخشية أن يند بعضها عن أذهانهم, فلما جاء أصحاب الاشتقاق من أمثال