للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ج- في مادة "ر ج ب" تجد ابن فارس يتلاقى مع ابن جني في ملاحظة معنى القوة، إلّا أن ابن فارس أدق تعبيرًا، فهو يرى أن الراء والجيم والباء أصلٌ يدل على دعم شيء بشيء وتقويته١, ومن الواضح أنه يقصد من القوة أحد معانيها الدقيقة وهو الدعم، ونبَّه عليه في أصل المادة الحسّيّ, كما نبه عليه فيما تطور عنه من معانٍ، بطريق الكناية والمجاز.

فالأصل في الباب كله ترجيب الشجرة إذا دعمت بالرجبة، لئلَّا تنكسر أغصانها حين يكثر حملها٢, أما قولك: "رجبت الشيء" أي: عظَّمته، فكأنك جعلته عمدة لأمرك، ومن الباب "رَجَب" لأنهم كانوا يعظمونه.

د- وفي ماد "ج ر ب" يسلك ابن فارس مسلكًا عجيبًا، فلا يذكر شيئًا مما ذكره ابن جني ولا ابن دريد؛ من وصف الرجل بالمجرب إذا جربته الأمور ونجدته، ولا يعرض لتجارب الدهر وأثرها في الإنسان، بل يردد الجيم والراء والباء بين أصلين: أحدهما الشيء البسيط يعلوه؛ كالنبات من جنسه، والآخر شيء يحوي شيئًا٣.

ولا يعلم إلّا الله وحده كم تكلَّف ابن فارس حتى وجد لهذه المادة أصلها الأول، ظنًّا منه أن لا شيء كهذا الأصل يطوي مفهوم "الجَرَب" وهو الداء المعروف، فلا بدَّ من أن ينبت على الشيء نبات بسيط من


١ نفسه ٢/ ٤٩٥.
٢ وهنا يذكر ابن فارس حديث الأنصار: "أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب"، ويفسره بقوله: "يريد أنه يعول على رأيه كنا تعول النخلة على الرجبة التي عمدت عليها", ولا يخفى أنه -حتى في هذه العبارة المشهورة- يتعمد الربط بين صورة العذيق المرجب وصورة الرجل المجرب المحنك، أو قل: بين الصورة الحسية الواقعية، والصورة النفسية المجازية.
٣ المقاييس ١/ ٤٩٩-٤٥٠.

<<  <   >  >>