للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك، لأنك لو فعلته لم يكن أحدهما أسعد بهذه الحال من الآخر"١.

وما نسحب ابن جني إلّا مقتنعًا في هذا الموطن بأن كلًّا من جبذ وجذب لغة مستقلة من لغات العرب، حتى عَدَّ كلًا منهما أصلًا بنفسه, ونفى أن يكون أحدهما أصلًا لصاحبه، ولو لم يكن مقتنعًا بهذه الحقيقة لوجب عليه أن يعد أحدهما أصلًا، والآخر مقلوبًا عنه، ولكان له ولغيره أن يقلب أحد الأصلين على جهاته الست, فيكون بين يديه، في كلتا الحالتين، هذه التقاليب: "ج ذ ب", "ج ب ذ", "ب ج ذ", "ب ذ ج", "ذ ج ب", "ذ ب ج".

وابن جني لا يمنع تقليب أحد الأصلين "جذب أو جبذ" على جهاته الست التي رأيت، ولكنه يشترط أن يعلم مقلب هذه الوجوه أنه ينبغي تقاليب "جذب" دون سواها، أو "جبذ" دون غيرها؛ إذ لا يفوته أن كلًّا منهما أصل مستقلٌّ قائم بذاته, ولعل هذا ما استنتجه ابن منظور حين قال في "اللسان": "جبذ جبذًا, لغة في جذب. وفي الحديث: "فجبذني رجل من خلفي". وظنه أبو عبيد مقلوبًا عنه, قال ابن سيده: وليس ذلك بشيء، وقال: قال ابن جني: ليس أحدهما مقلوبًا عن صاحبه، وذلك أنهما جميعًا يتصرفان تصرفًا واحدًا"٢ ...

وأقل ما توحي به هذه التفرقة في الألفاظ المتقاربة بين الأصول وتقاليبها: الغلوّ في الحيطة والحذر عند تقليب المادة على وجوهما الممكنة، على لهجة، ولا تتداخل لغات العرب في ألفاظ شاع بينها اختلاف عليها، أو تباين في أسلوب أدائها, أو طريق استعمالها٣.


١ الخصائص ١/ ٤٦٧.
٢ اللسان ٥/ ١٠ ٠ ١
٣ من ذلك مثلًا أننا عرفنا أن "جبذ" تميمية، وجذب "حجازية". راجع ما ذكرناه سابقًا.

<<  <   >  >>