للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنوادر، وطلعوا على الباحثين بأحرف وقع فيها الإبدال على الرغم من تباعدها صفة ومخرجًا. وقد تكون شواهدهم التي أتوا بها تقريرًا لهذه الظاهرة اللغوية المدهشة أقل وأندر من أن يبالي بها أو يقام لها وزن أو يستنتج منها قانون، وربما لا تجاوز شواهدهم على الحرف الواحد المبدل أحيانًا أصابع اليد الواحدة، وقد تكون صور كثيرة مما استشهدوا به مهجورة في لغة العرب، أو نادرة الاستعمال فيها، أو لم يستعملها العرب قط وإن جاءت على النسيج العربي وكانت جائزة الاستعمال.

ولكن اللغويين في هذا كله لم يعرفوا أنفسهم إلا نقلة أمناء، فرووا القيل النادر مثلما رووا الكثير الشائع، وحرصوا على أن يعرضوا هذا وذاك كما سمعوهما دون زيادة ولا نقصان١.

وكنا نحسب لغويي العرب قد مضوا جميعًا يحاكي بعضهم بعضًا في قصة الإبدال، فيقلبون دون نقاش ما ترامى إليهم من صور هذا الإبدال ولو تباعدت الأحرف المبدلة والمبدل منها صفة ومخرجًا، ويسلمون بها تسليمًا ولو وقعوا فيها على تسوية تامة بين تباعد الصفة وتباعد المخرج، فما أنقذنا من هذا الظن وما أخرجنا من هذا الوهم إلا نص في "المخصص" صرح فيه ابن سيده بما نميل إليه من أن "ما لم يتقارب مخرجاه البتة فقيل على حرفين غير متقاربين فلا يسمى بدلا، وذلك كإبدال حرف من حروف الفم من حروف الحلق"٢. فلو استندنا إلى هذا النص الصريح القاطع لحكمنا بتناقض الذين لاحظوا في مسوغات الإبدال إمكان التباعد التام بين الحروف المبدلة، كما في حال التباعد صفة ومخرجًا، وحكمنا أيضًا بتناقض الذين لاحظوا في مفهوم التقارب إمكان


١ قارن بما ذكرناه ص ٢١٩.
٢ المخصص ١٣/ ٢٧٤ "باب ما يجيء مقولًا بحرفين وليس بدلًا".

<<  <   >  >>