للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكي يتصاقب المعنيان في الاشتقاق الأكبر، لا بد أن يتصاقب اللفظان تصاقبًا حقيقيًّا لا تجوز فيه. ولا يظهر التصاقب اللفظي على حقيقته إلا استعماله فما وضع له، فإن استعمل في غير ما وضعته العرب عُدَّ خطأ ولم يكن من الإبدال في شيء.

إن بعض العرب يقول مثلًا: جَمَسَ الوَدَك وجمد الماء، ولا يقال: جمس الماء ولا جمد الودك، وقد خطَّأ الأصمعي ذا الرمة في وصفه الماء الجامد بالجامس في قوله:

ونقري سديف الشحم والماء جامس

فإذا ادعى بعضهم -مع ذلك- أن السين أبدلت دالًا في قولهم: جمس الودك وجمد، ردت عليه دعواه، ولم يكن هذا بدلًا قط١، فليس بين الحرفين تصاقب ولا تقارب، بل بينهما تباعد في المخرج لا يسمح لمعنييهما أن يتصاقبا إلا بضرب من التجوز والاتساع في التعبير.

ولا يتم تصاقب المعنين إلا إذا أمن التصحيف في اللفظين ليعلم أن كلا منهما مادة مستقلة. وأصل التصحيف "أن قومًا كانوا أخذوا العلم عن الصحف من غير أن يلقوا فيه العلماء، فكان يقع فيما يروونه التغيير"٢. وهذا التصحيف عند اللغويين على قسمين: تصحيف نظر وتصحيف سمع، وإن كان أصله الأول من أخطاء النظر في الصحف. وأكثر ما يقع تصحيف النظر في الأحرف المتشابهة رسمًا إذا لم تعجم، كالباء والتاء والثاء والنون، والجيم والحاء والخاء، والدال والذال، والراء


١ المخصص ١٣/ ٢٨٧.
٢ التصحيف "لأبي أحمد العسكري" ص٩. وقارن بما ذكرناه عن المصحف في كتابنا "علوم الحديث ومصطلحه" ٢٧٢-٢٨٠.

<<  <   >  >>