للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أبو عبيد: "والصواب عندنا بالدال"١.

فمثل هذا اللفظ الذي صوب فيه أحد الوجهين وخطئ الآخر لا يلتمس فيه إبدال، وإنما يلتمس في مثل العدوف والعذوف مما ورد بوجهين، وأما فيه التصحيف، بيد أن الذال ليست أخت الدال، فلم يصح القول بالإبدال هنا لاختلاف المخرجين.

ومن العسير الوقوع على صورتين مبدلتين فما يتوهم فيه تصحيف النظر؛ إذ لا تتشابه فيه الحروف إلا برسمها، أما تقارب المخارج والصفات فليس شرطًا في مثله.

لكن صور الإبدال فيما توهم فيه تصحيف السمع أكثر شيوعًا وانتشارًا؛ لأن تقارب الأصوات فيها هو الذي أوقع الباحث في اللبس، فلولا ما نعرفه من ورود اتمأل واتمهل، ومن كثب ومن كثم، والأقطار والأقتار، واللثام واللفام، والوقيذ والوقيظ، والوطس والوطث٢، لاختلط علينا أكثرها٣، وحسبناه لفظًا واحدًا ولم نمز الأصل من الفرع، فأنى لنا إذن أن نقول بالإبدال؟ فلما ورد كل لفظ مما ذكر بوجهين وأمن فيه التصحيف، وظن في بعضه تباين اللهجات، أيقنا من تجاوره الصوتي أن فيه إبدالًا لا ريب فيه.

ومقياسنا فيما ورد بوجهين؛ لتمييز الأصل من الفرع، هو كثرة الشواهد المتعلقة بأحد الوجهين٤: فما أكثر الأمثلة على كثب، والأقطار،


١ المخصص ١٣/ ٢٨٧.
٢ ارجع إليها متعاقبة فيما تقارب وانسجم من ضروب الإبدال بين هذه الحروف ابتداء من ص٢٢٠.
٣ ويكون هذا الاختلاط واللبس أشد عند الألثغ. ولقد عقد السيوطي فصلًا في "المزهر ١/ ٥٥٦" لمعرفة ما ورد بوجهين بحيث إذا قرأه الألثغ لا يعاب، والأصل في هذا النوع ما ذكره الثعالبي في "فقه اللغة" قال: أنا أستظرف قول الليث عن الخليل: الذعاق كالزعاق، سمعنا ذلك في بعضهم، وما ندري ألغة أم لثغة؟!
٤ قارن بأسرار اللغة ٦٢ "ط٢".

<<  <   >  >>