للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واللثام، وما أقلها في كثم، والأقتار، واللفام. وارتداد بعض هذه الألفاظ إلى قبيلة وبعضها الآخر إلى قبيلة أخرى لا ينبغي أن يقلل من قيمة المقياس الذي ذكرناه؛ لأنه لم يقطع برأي حاسم في قضية اختلاف اللهجات، وما تزال أدلتنا عليها أضعف من أن يفسر في ضوئها كل هذه الظواهر اللغوية النادرة.

ومن صور الإبدال ما يمكن إدراجه في باب الإتباع، لكن للقول بذلك قيودًا لا بد من التنبه إليها وإدراكها على وجهها الصحيح، فالإتباع على ضربين: فضرب يكون فيه الثاني بمعنى الأول فيؤتى به توكيدًا؛ لأن لفظه مخالف للفظ الأول، وضرب فيه معنى الثاني غير معنى الأول١. فمن الأول قولهم: رجل قسيم وسيم، وكلاهما بمعنى الجميل، وضئيل بئيل بمعنى واحد، وجديد قشيب، ومضيع مسيع٢. ومن الثاني حار يار، وعطشان نطشان، وجائع نائع، وحسن بسن، والكلمة الثانية في هذا الضرب الثاني إنما هي تابعة للأولى على وجه التوكيد لها، وليس يتكلم بالثانية منفردة، فلهذا قيل إتباع٣.

وقد لاحظ ابن فارس كلا هذين الضربين حين عرف الإتباع بقوله: "وهو أن تتبع الكلمةُ الكلمةَ على وزنها أو رويها إشباعًا وتأكيدًا"؛ وأراد أن ينبه على الضرب الثاني تنبيهًا خاصًّا فحكي عن بعض العرب أنه سئل عن حكمة هذا الإتباع، فقال: "هو شيء نتدبه كلامنا"٤. وفي هذا المعنى ما حكاه ابن دريد من أنه سأل أبا حاتم السجستاني عن بسن من قولهم "حسن بسن" فقال: لا أدري ما هو٥.


١ المخصص ١٤/ ٢٨.
٢ المزهر ١/ ٤١٦ نقلًا عن أمال القالي.
٣ المزهر ١/ ٤١٥ عن الكسائي.
٤ الصاحبي ٢٢٦، وقارن بالمزهر ١/ ٤١٤.
٥ المزهر ١/ ٤١٧.

<<  <   >  >>