للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلو كان أحد يجهل هذا الإتباع بكلا ضربيه، وسمع قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الشبرم١: "إنه حار يار" لظن الياء بدلًا من الحاء، مع إنهم نبهوا على أن هذا من الإتباع٢، ويكون الإبدال في زعمه حينئذ واقعًا بين حرفين متباعدين. فإن صحف الحديث وقرأ الحاء جيمًا فقال: "إنه جار يار" فرك يدًا بيد فرحًا مسرورًا؛ لأن الجيم أخت الياء، فكلتاهما شجرية، وقد فاته أن العلماء نبهوا أيضا على أن هذا من الإتباع، وفسروا الجار بالذي يجر الشيء الذي يصيبه من شدة حرارته كأنه ينزعه ويسلخه مثل اللحم إذا أصابه، أو ما أشبهه٣.

وقس على ذلك لفظ وسيم في قولهم "قسيم وسيم" فهذا إتباع، وليست الواو بدلًا من القاف. ولفظ بئيل من قولهم: "ضئيل بئيل" فليس الباء بدلًا من الضاد، ولفظ جديد من قولهم "جديد قشيب" فليست القاف بدلًا من الجيم، وهكذا دواليك.

ولعلنا نجرؤ على أن نستنتج من هذه المقدمات المتعاقبة أن الصور المترجحة في نظر العلماء بين الإبدال والإتباع ينبغي أن تكون شواهدها من النوع الذي يتجانس فيه -بين اللفظين- الحرف المظنون إبداله؛ لأن فرص القول بالإبدال تنقل عند التباعد، أو قل: إنها حينئذ تصبح نادرة جدًّا.

وقد رأينا في الإتباع أنه على ضربين، تكون الكلمة الثانية في أحدهما غير واضحة المعنى ولا بينة الاشتقاق٤، فلا تفيد وحدها شيئًا، وإنما


١ الشبرم: ضرب من الشيح.
٢ المخصص ١٤/ ٢٣.
٣ المخصص ١٤/ ٣٤، وقارن بما ذكرناه عن "جار يار" من احتمال ارتداده إلى اختلاف اللهجات، وإن كان ضربًا من الإتباع. راجع ص٩٤- ٩٥.
٤ وهو الضرب الثاني الذي قلنا: إن معنى الكلمة الثانية فيه غير معنى الأولى. وقارن بخطبة ابن فارس في كتابه "الإتباع والمزواجة" نشر المستشرق رودلف برونو، بمدينة غيسن سنة ١٩٠٦، وانظر المزهر ١/ ٤٠٤.

<<  <   >  >>