للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكره، والضرب الآخر: الموضوع وضعًا لا مجال له في طريق القياس١".

وابن فارس لا يعنيه كثيرًا أن يستشهد على ذلك الرباعي الموضوع وضعًا، فإنه معلوم مشهور، وإنما يريد أن يلفت الأنظار إلى كثير مما يحسبه الناس أصيلًا منذ وضع، إلا أنه عند التحقيق يتبين ما فيه من ضروب الزيادة التي تلحقه بالاشتقاق، وهو -رغم الزيادة فيه- صورة من الاخترال، أو "جنس من الاختصار" كما قال٢.

ولا تناقض في شيء مما رآه ابن فارس، فإن الأمثلة التي قفى بها على تعريفه للنحت، والأمثلة التي فرقها على مواد معجمه تبعًا لمذهبه في مزيد الثلاثي، كلها تؤكد اعتقاده بأن السوابق والأواسط واللواحق، أو كما اصطلح عليها بعض العصريين: التصدير والحشو والكسع٣، بقايا كلمات قديمة مستعملة٤ تناسب ما يلح في الحرف العربي من قيمة تعبيرية، فكأن المزيد بحرف في أوله أو وسطه أو آخره إنما نحت من كلمتين اختزلتا على سواء، أو اختصرت إحداهما أكثر من الأخرى، أو ظلت إحداهما على حالها بينما رمز للأخرى بحرف منها يغلب أن يكون أوضح حروفها بيانًا وتعبيرًا.

ونكاد لا نرتاب في أن ابن فارس آنس في الحرف العربي قيمة بيانية تعبيرية حتى اجتزأ بحرف من الكلمة عن الكلمة كلها، وأطلق القول في "الصلدم" مثلًا وصفًا للناقة بأنه منحوت: أصله "صلد"٥، ثم رأى في موطن آخر أنه منحوت من "الصلد" و"الصدم"٦


١ المقاييس ١/ ٣٢٩.
٢ راجع ما سبق في هذا الفصل ص٢٤٤.
٣ وسماها بعضهم: التتويج، والإقحام، والتذييل. وقد مر ذلك في هذا الكتاب.
٤ فندريس ٢١٦، وقارن بما ذكرناه ص ١٦٦.
٥ الصاحبي ٧٠.
٦ نفسه ٢٢٧.

<<  <   >  >>