للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكأن الميم المزيدة في "الصلدم" إنما أخذت من "الصدم" وهي فيه الحرف الأخير، ولعلها أقوى أحرفه وأشفاها بيانًا؛ لذلك رُمز بها إليه واستعيض بها عنه، وألصقت "بالصلد"، فتألفت كلمة جديدة من كلمتين اختزلت إحداهما وظلت الأخرى على حالها.

وابن فارس نفسه حين أنشأ يذكر في "المقاييس" أمثلته على نحت الرباعي من كلمتين ثلاثيتين، إنما استهل هذه الأمثلة بلفظ "البلعوم"، وجعله وما أشبهه توطئة لما بعده، مع أنه أوضح أن أصله "بلع" ولم يذكر الثلاثي الآخر الذي فيه الميم، بل اكتفى بملاحظة أن لفظ "بلع" زيد عليه ما زيد لجنس من المبالغة في معناه، فكأن الميم الزائدة هي الحرف التعبيري البارز في الثلاثي الآخر الذي قدره بعض العلماء "طعم"، وقد اجترئ بها عنه وألصقت ببلع، مع الواو تارة كما في بلعوم، ودونها تارة أخرى كما في "بلعم"١.

وقياسًا على هذا، لا فرق عند ابن فارس بين رباعي كان في الأصل ثلاثيًّا ثم زيد عليه حرف في آخره أو أوله أو وسطه، ورباعي آخر مستخرج على طريق النحت من ثلاثيين اختزلا معًا، أو اختزال أحدهما دون الآخر، أو أحدهما أكثر من الآخر، فهذا وذاك إنما تم الأمر فيهما بهذه الوسيلة الرائعة من وسائل الاشتقاق، وهي النحت الذي يزيد صورة الكلمة ظاهرًا، ولكنه يختصرها في الحقيقة لتعبيره بها عن كلمتين


١ وإليك عبارة ابن فارس كما وردت في المقاييس "١/ ٣٢٩": "فمما جاء منحوتًا من كلام العرب في الرباعي أوله باء "البلعوم": مجرى الطعام في الحلق؛ وقد يحذف فيقال: بعلم. وغير مشكل أن هذا مأخوذ من بلع، إلا أنه زيد عليه ما زيد لجنس من المبالغة في معناه. وهذا وما أشبهه توطئة لما بعده".
على أن الدكتور إبراهيم أنيس يلاحظ في مثل هذه الميم أنها علامة التنوين في اللغة الحميرية القديمة: "قارن بأسرار اللغة ٧٤".

<<  <   >  >>