للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نسبية تتفاوت طرق التعبير عنها بتفاوت الأشخاص، فلم يكن ضروريًّا أن يكون ما استعمل على سيبل التقابل لغرض ما دالًّا على التضاد الحقيقي الوضعي، ولكن الناس إذا تناسوا علاقة التقابل هذه "تستدعيها الصور والألفاظ والأفكار المتداعية" نقلوا هذه الألفاظ متوهمين فيها التضاد الحقيقي، فاجتمع لديهم من ذلك ما اجتمع مما يسمونه "بالأضداد".

وأما التداخل في اللغات فلم يَفُتِ الأقدمين التنبيه عليه فقالوا: "إذا وقع الحرف على معنيين متضادين فمحال أن يكون العربي أوقعه عليهما بمساواة منه بينهما، ولكن أحد المعنيين لحي من العرب والمعنى الآخر لحي غيره، ثم سمع بعضهم لغة بعض فأخذ هؤلاء عن هؤلاء، وهؤلاء عن هؤلاء، قالوا: فالجون الأبيض في لغة حي من العرب والجون الأسود في لغة حي آخر، ثم أخذ أحد الفريقين من الآخر كما قالت قريش: حَسِب يحسِب"١.

وعلى هذا الأساس ما كان ينبغي أن يكون لفظ "السُّدْفة" من الأضداد؛ لأن أبا زيد الأنصاري يقول فيه: "السدفة في لغة تميم: الظلمة، والسدفة في لغة قيس: الضوء"٢. ونستطيع أن نقيس على ذلك وثب بمعنى قعد وجلس، وما سببه الاختلاف بين الحيين في معناها من دق عنق الأعرابي٣.

وكما رأينا -في بحث المشترك اللفظي- أن بعض المصادفات المحضة قد تغير معنى لفظ ما وتستعمله في غير المراد الأصلي البدائي، نرى كذلك في بحث التضاد "باعتباره ضربًا من المشترك" صورًا من هذه


١ المزهر ١/ ٤٠١.
٢ نقلها السيوطي من الغريب المصنف لأبي عبيد في باب الأضداد. وفيه يذكر أبو عبيد أنه سمع هذه العبارة من أبي زيد الأنصاري "المزهر ١/ ٣٨٩". وقارن بالأضداد لابن الأنباري ص٩٧.
٣ راجع ما ذكرناه في فصل سابق.

<<  <   >  >>