وبمعونة السياق فسر بعض العلماء المنكرين للتضاد طائفة من الألفاظ التي يأبى المبالغون في هذا الباب إلا أن يكتشفوا فيها التقابل التام والتعاكس الحقيقي. فابن درستويه في "شرح الفصيح" يقول مثلًا: "النَّوء: الارتفاع بمشقة وثقل. ومنه قيل للكوكب: قد ناء إذا طلع، وزعم قوم من اللغويين أن النوء السقوط أيضًا، وأنه من الأضداد، وقد أوضحنا الحجة عليهم في ذلك في كتابنا في إبطال الأضداد"١.
على أننا لن نذهب مذهب ابن درستويه في إنكار التضاد إطلاقًا؛ فإن قدرًا منه ولو ضئيلًا لا بد من التسليم به، ولكننا في القدر الذي نسلم به وفي القدر الذي ننكره ونؤوله تأويلًا آخر مناسبًا للسياق نجد أنفسنا طوعًا أو كرهًا أمام كلمات حفظ لنا فيها معنى التعاكس، كما وجدنا أنفسنا قبل أمام كلمات حفظ لنا فيها معنى الترادف أو الاشتراك، فمهما نحاول أن نرد تطوراتها المعنوية إلى أصولها اللغوية الوضعية البدائية لن نستطيع أن نقاوم قانون الصراع اللغوي الذي إنما يحفظ المعاني المتماثلة أو المتناظرة أو المتقابلة بوحي من الظروف الاجتماعية المحيطة بكل أمة.
وإذن، فالتضاد على ضآلة مقداره، أصبح وسيلة من وسائل التنوع في الألفاظ والأساليب، ووسع تنوع استعماله من دائرة التعبير في العربية، فكان بهذا المعنى خصيصة من خصائص لغتنا في مرانتها وطواعيتها في التنقل بين السلب والإيجاب، والتعكيس والتنظير، وهو ما ليس له في اللغات الحية نظير.