للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الأعراب لم يقل إلّا تِعلم, قال: نقلته من نوادر أبي زيد"١.

وفي الباب الذي يعقده ابن جني في "خصائصه" لتعارض السماع والقياس، يعترف بأن التميمية أكثر مراعاة للقياس من القرشية، ويبين الفرق بين ما كان أقوى قياسًا وما كان أكثر استعمالًا، فيقول: "وإن شذَّ الشيء في الاستعمال وقوي في القياس, كان استعمال ما كثر استعماله أولى، وإن لم ينته قياسه إلى ما انتهى إليه استعماله". من ذلك اللغة التميمية في "ما", هي أقوى قياسًا وإن كانت الحجازية أيسر استعمالًا، وإنما كانت التميمية أقوى قياسًا؛ من حيث كانت عندهم كـ"هَلْ"، في دخولها على الكلام مباشرة، كل واحد من صدري الجملتين الفعل والمبتدأ، كما أن "هَلْ" كذلك إلّا أنك إذا استعملت أنت شيئًا من ذلك فالوجه أن تحمله على ما كثر استعماله، وهو اللغة الحجازية، ألا ترى أن القرآن بها نزل! وأيضًا فمتى رابك في الحجازية ريب من تقديم خبر, أونقضٍ لنفي، فزعت إذا ذاك إلى التميمية، فكأنك من الحجازية على حرد, وإن كثرت في النظم والنثر"٢.

وهذا الذي ذكره ابن جني عن "ما" التميمية, وكونها أقوى قياسًا من الحجازية، وهي فوارق ذات بال، يحسن أن تجمع وينبه عليها, فمن المعلوم أن النحاة يقسمون ما "النافية" إلى حجازية وتميمية، فالخبر في الحجازية منصوب، بينما هو في التميمية مرفوع، والقرآن في قوله "ما هذا بشرًا"٣ جاء طبعًا على لهجة الحجاز, ويقرب من هذا الخلاف


١ هو أبو زيد الأنصاري، سعيد بن أوس، من أئمة اللغة والرواية المشاهير, توفي سنة ٢١٥هـ, كتابه "النوادر في اللغة" طبع في بيروت في المطبعة الكاثوليكية بتحقيق سعيد الحوري الشرتوني سنة ١٨٩٤م.
٢ الخصائص ١/ ١٣٠-١٣١.
٣ سورة يوسف٣١.

<<  <   >  >>