للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رد تأويل أبي علي قولهم: "ليس الطيبُ إلا المسكُ" على أن فيها ضمير الشأن؛ لأن أبا عمرو نقل أن ذلك لغة بني تميم"١.

ولا مدافعة في أن اللحن الخاص يتعذر تركه في تمييز كم الخبرية، فإنه منصوب وجوبًا في لهجة تميم، فهي تقول: كم حربًا خضت، وكم فارسًا جندلت؛ بينما يقول الحجازيون: كم حربٍ وكم فارسٍ.

وهذا يفسر لنا ما دار من الجدل النحوي العقيم حول بيت الفرزدق -وهو كما نعلم تميمي:

كم عمة لك يا جرير وخالة.

فإن من رواه بالنصب لاحظ أن الفرزدق إنما لحن بلحن قومه, ومن رواه بالجر أراد أن يؤكد أن جميع الشعراء، من أية قبيلة كانوا، يلتزمون النطق بلهجة قريش؛ لإيمانهم بأنها أفصح اللهجات العربية٢.

على أننا -بلا ريب- ما كنا لنعرف بعض الفروق بين لهجتي الحجاز وتميم لولا التزام بعض التميمين لحنهم الخاص لدى نطقهم بألفاظ معينة.

من ذكل أن لهجة تميم تنبر الهمزة, أي: تحققها وتلتزم النطق بها -يشاركها في ذلك أكثر البدو- على حين يسهل الحجازيون الهمزة ولا ينبرونها إلّا إذا أرادوا محاكاة التميميين استلطافًا لهذه الصفة الحلوة من صفات لهجتهم, قال أبو زيد: "أهل الحجاز وهُذَيْل وأهل مكة والمدينة لا ينبرون، وقف عليها عيسى بن عمر فقال: ما آخذ من قول تميم إلّا بالنبر، وهم أصحاب النبر، وأهل الحجاز إذا اضطروا نبروا"٣.


١ المزهر ١/ ٢٥٨.
٢ اللهجات ٧٣.
٣ لسان العرب ١/ ١٤، وفي كتب الأدب أن أحد الرواة سأل رجلًا من قريش: أتهمز الفأرة؟ فلم يفهم المسئول وأجاب متهكمًا: "إنما يهمزها القط! ".

<<  <   >  >>