للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلنا: حئنا نسألك عن شيء من كلام العرب, قال: هاتيا، فقلنا: كيف تقول ليس الطيبُ إلّا المسكُ؟ فقال: أتأمراني بالكذب على كبرة سني؟ فأين الجادي١؟ وأين كذا؟ وأين بَنَّة٢ الإبل الصادرة؟ فقال له خلف: ليس الشرابُ إلا العسلُ٣، فقال: فما يصنع سودان هجر؟ ما لهم شراب غيرُ هذا التمر. قال اليزيدي: فلما رأيت ذلك منه قلت له: ليس ملاكُ الأمر إلّا طاعةُ الله والعمل بها، فقال: هذا كلام لا دخيل فيه، ليس ملاكُ الأمر إلا طاعةَ الله، فقال اليزيدي: ليس ملاكُ الأمر إلّا طاعةُ الله والعمل بها، فقال: ليس هذا لحني, ولا لحن قومي. فكتبنا ما سمعنا منه, ثم أتينا أبا المنتجع فأتينا رجلًا يعقل, فقال له خلف: ليس الطيبُ إلّا المسكَ، فلقناه النصب وجهدنا به فلم ينصب, وأبى إلّا الرفع، فأتينا أبا عمرو فأخبرناه وعنده عيسى بن عمر لم يبرح، فأخرج عيسى خاتمه من يده وقال: ولك الخاتم بهذا، والله فقت الناس! ".

وإن أقل ما ترمز إليه هذه القصة -سواء أصورت خقيقة ما حدث, أم لخصت الصراع اللغوي بين النحاة- أن لكل قبيلة عربية لحنًا خاصًّا لا تستطيع سواه، ويستحيل تلقينها غيره؛ لأن ألسنتها لا تجري إلّا به, ولقد آثر العلماء أن يعدوا الخلاف حول هذه القضايا منتهيًا، ويردوا بها التأويلات المتكلفة، فقال أبو حيان: "إنما يسوغ التأويل إذا كان الجادة على شيء، ثم جاء شيء يخالف الجادة فيتأول؛ أما إذا كان لغة طائفة من العرب لم يتكلم إلّا بها فلا تأويل, ومن ثَمَّ


١ الجادي هو الزعفران، نسب إلى الجادية وهي من أعمال البلقاء.
٢ بنة الإبل "بفتح الباء" رائحتها, "وقد وردت في المزهر بضم الباء "بنة" ١/ ٢٧٨ فتصحح".
٣ برفع العسل؛ لأن القصة كلها تدور حول هذا الرفع, ولكنها مجرورة في "المزهر" خطأ أو توهمًا ١/ ٢٧٨.

<<  <   >  >>