للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا ينقضي عجبك من قول العكبري١ في هذه القراءة الشاذة: "وهي لغة مسموعة من العرب! "٢.

والحق أن الذي سمع من العرب في باب الهمزة -على تنوعه تبعًا لتنوع القبائل ولهجاتها- لم يكن فيه مثل هاتيك الصورة الشاذة التي ذكرها العكبري وأضرابه على سبيل الإغراب حتى بالغوا فيها، وإلّا فكيف صحَّ لعماء اللغة أن يكشتفوا الفروق بين ما يهمز، فيكون له معنى، وما لا يهمز فيختلف معناه؟ ٣ وما الذي يسوغ لهم أن يحكموا بأن بعض ما همز ليس أصله الهمز؟ ٤ أو أن بعض ما تركت العرب همزه أصله الهمز؟ ٥.


١ هو عبد الله بن الحسين العكبري -أبو العكبراوي- البغدادي الضرير، الحنبلي، أصله -كما قال القفطي- من عكبراء وإليها نسب, برع في علوم كثيرة؛ منها القراءات والفقه والحديث والفرائض والحساب، وكان له في علوم العربية قصب السبق. ذكر السيوطي من كتبه خمسة وعشرين؛ أشهرها إعراب القرآن, وقد طبع، وإعراب الحديث؛ ومنه نسخة مخطوطة في الظاهرية، وإعراب القراءات الشاذة الذي نحيل هنا على الصورة الشمسية لمخطوطته, وتوفي العكبري سنة ٦١٦هـ "انظر بغية الواعاة ٢٨١".
٢ العكبري ١٣.
٣ انظر المخصص ١٤/ ٢-٦, ومن الأمثلة التي ذكرها: تملأت من الطعام والشراب؛ وتمليت من العيش: إذا عشت مليًّا, أي: طويلًا, وكفأت الإناء إذا قلبته؛ وكفيته ما أهمه وهمه, وكلأت الرجل أكلؤه كلاءة إذا حرسته، وقد كليته إذا أصبت كليته, وذرأ الله الخلق يذرؤهم, أي: خلقهم، وقد ذرا الشيء ذروًا: نسفه. وقد أردأت الرجل إذا أعنته، قال الله تعالى: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا} وقد أرديته: إذا أهلكته.
٤ قال ابن السكيت: "مما همزت العرب وليس أصله الهمزة قولهم: استلأمت الحجر، وإنما هو من السلام وهي الحجارة, وكان الأصل استلمت", وقالوا: الذئب يستنشئ الريح، وإنما هو من نشيت الريح, أي: شممتها.. وكان رؤبة يهمز سية القوس، وسائر العرب لا يهمزها: "راجع هذه الأمثلة مع أخرى من نوعها من المخصص ١٤/ ٧-٨".
٥ قال أبو عبيدة: "تركت العرب الهمز في أربعة أشياء لكثرة الاستعمال: في الخابية، وهي من خبأت. والبرية، وهي من برأ الله الخلق, والنبي وهو من النبأ, والذرية، وهي من ذرأ الله الخلق". المزهر ٢/ ٢٥٢ وقارن بالجمهرة لابن دريد.

<<  <   >  >>