للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنهم بلا ريب -في باب الهمزة- قد بنوا قواعدهم على الاستقراء الدقيق، فتحدثوا عما همزه بعض العرب وترك همزه بعضهم، وإن كان الأكثر الهمز١ وعما يقال بالهمز مرة وبالواو أخرى٢, وذلك يؤكد انبناء مقاييسهم على نصوص ووثائق لا سبيل إلى مدافعتها, وأقل ما يستنتج من هذا أن الخلاف الذي قام حول النبر والتسهيل لم يذهب بحسنات النبر, ولو كان لهجة لتميم لا لقريش، بل فضل العلماء المحققون على تسهيل الحجازيين نبر التميميين، آخذين بالقرآن، متأثرين بصنيعه.

ويخل إلى الباحث أن لقب "أهل التحقيق" الذي أطلقه ابن سيده٣ على محققي الهمزة من بني تميم وأهل الحجاز، ليس مرادفًا للقب "أهل النبر" في نظره حين قال: "اعلم أن الهمزة التي يحقق أمثالها أهل التحقيق من بني تميم وأهل الحجاز, وتجعل في لغة أهل التخفيف بين بين قد يبدل مكانها الألف.."٤؛ بل يرادف هذا الاسم في نظره "أهل الصواب والحق"؛ لأنه لم يكن يجهل أن تحقيق الهمزة بمعنى "نبرها" لم يك شائعًا لدى الحجازين عامة، وإنما عرفه منهم المحققون الذين استلطفوا


١ قالوا: عظاءة وعظاية، وصلاءة وصلاية، وعباءة وعباية، وسقاءة وسقاية، وامرأة رثاية ورثاءة. "المخصص ١٤/ ١١".
٢ نحو أكدت العهد ووكدته، وأرخت الكتاب وورخته، وأسن الرجل ووسن: إذا غشي عليه من نتن ريح البئر. "المخصص ١٤/ ١٢".
٣ هو علي بن إسماعيل، المعروف بابن سيده، أبو الحسن, إمام في اللغة, يعد كتابه "المخصص" من أثمن كنوز العربية، وقد طبع في سبعة عشر جزءًا، ومنه استقينا أكثر معلومات هذا الفصل, وله كتاب آخر جليل يسمى "المحكم والمحيط الأعظم" وهو مخطوط يقع في ١٨ جزءًا, وكان ابن سيده ضريرًا, وكذلك أبوه, وتوفي سنة ٤٥٨هـ "ترجمته في وفيات الأعيان ١/ ٣٤٢, وإنباه الرواة ٢/ ٢٢٥".
٤ المخصص ١٤/ ١٣, وقد ذكر ابن سيده هذا النص في سياق الحديث عن التخفيف البدلي، "فإنه أحب -كما قال- أن يصنع لهذا التخفيف عقدًا ملخصا وجيزًا".

<<  <   >  >>