أمرهما وصار أهلهما يشاركون في الاتجار قبائل اليمن. فلما كان القرن السادس انتقلت التجارة من أيدي اليمنيين بالتدريج، إلى قريش القبيلة المكية التي ارتفع أمرها وقويت ونشطت, وبدأت تحل محل الأولين في الاستئثار بتجارة جزيرة العرب، ولا سيما عند اضطراب الأمن وتعذر المرور على الأحباش والأنباط، وكان وقوع الحروب والأزمات والمنافسات بين فارس والروم من أعظم العوامل في نشأة التجارة المكية وازدهارها, إلا ما كان من تجارة فارس, فإنها بقيت في أيدي عرب الحيرة وهم يمانيون.
كانت أقطار العرب غير متساوية في الخصائص والمرافق, فبينا نجد نجدا أرضا قاحلة رملية لا زراعة لأهلها، نجد في اليمن مزارع خصيبة تفيض بالخير الواسع. ونجد بعض مدن الحجاز كمكة تشبه نجدا في جدبها وبعضا آخر فيه مزارع ونخيل كالمدينة والطائف وإن لم تكونا بدرجة اليمن. قال الألوسي: "وأما أهل اليمن وعمان والبحرين وهجر فكانت تجاراتهم كثيرة ومعايشهم وافرة؛ لما في بلادهم من الخصب والرخاء والذخائر المتنوعة والمعادن الجيدة وغير ذلك من أسباب الثروة والغنى. وأما أهل نجد فكانوا دون غيرهم في الثروة والتجارة؛ لما أن الغالب على أرضهم الرمال فكانت بلادهم دون