قرأ فريق من أهل الفضل، مقدمة الكتاب عقب طبعها، فرأوا من الحق الواجب علينا، وقد عرضنا لذكر "معرض دمشق وسوقها" وأثنينا على ما فيه من كل نفيس معجب، أن نثبت ما يلي:
أساءت إدارة هذا المعرض إلى الأمة وكرامتها كل الإساءة؛ في إباحتها القمار والخمر، وفي غضّها الطرف عن مفاسد كثيرة نشأت عن اختلاط الرجال بالنساء، وفي إحيائها الليالي الساهرة تقيم فيهن الحفلات الراقصة، يتصدرها أشخاص رسميون، بينا كان العرب في فلسطين يخوضون الدماء ويسلط على رءوسهم شواظ وقذائف وحمم، وهم يكافحون ويجالدون ويصابرون عدوين ألدين؛ الإنجليز واليهود، ويتعرضون لنار جيشين قويين. فليتنا إذ لم نقم بحق نجدة إخواننا، راعينا المروءة والذوق على الأقل، فنزهنا معرضنا عن المظاهر المزرية.
ولئن كان المعرض قد مثل الشام بمصنوعاته ونفائسه التي كانت بحق مفخرة من أعظم مفاخر هذه الأمة المجيدة، فإن إدارته لم تكن -فيما أباحت- تمثل البلاد بشيء، فقد شذت عن كل إدارات المعارض التي سبقتها، إذ خصصت هذه أياما للنساء وأياما للرجال، ولم تندفع في سبيل التقليد السخيف اندفاع المعرض الأخير، فكانت بذلك أصدق خبرا عن البلاد التي أقامتها.
ولكل أمة تقاليد كريمة وأخلاق وشعور، لا تقوم لها قائمة ولا يحترم لها مكانة، إلا إذا تمسكت بها تمسك الغريق بحبال النجاة، وأيما امرئ خرج على شيء منها فقد خرج على أمته وبلاده.
نقول هذا, ونحن لا ينقضي عجبنا من أن تصدر تلك الكبائر عن معرض دمشق، بينما
١ هذا استدراك صدر في الطبعة الأولى لمناسبة خاصة، يصف شعور الشاميين إزاء بعض ما كان جرى في معرضهم العام سنة ١٩٣٦م, أثبتناه هنا للتاريخ فقط.