لست هنا بصدد بيان الربا وأنواعه ومضارّه على التجارة والعمران والأخلاق، وما يعقب من خراب البيوت وتقويض الأسر وفقدان الثروة والشقاء والدمار، فذلك معروف أمره، مستوفًى شرحه في مظانه من كتب الحديث والتفاسير، عدا ما يعاين الناس في حياتهم من شروره على المرابين أنفسهم قبل غيرهم، فحوادثه نشاهدها في كل يوم بالعشرات. وإنما أريد الإشارة إلى ما استفاض منه في الجاهلية, حتى أتى الإسلام فاجتثّه من جذوره.
يرجح أن الذي أشاع الربا في جزيرة العرب هم اليهود الطارئون عليها، الذين اتخذوا من بعض قراها ومدنها مستعمرات عالجوا فيها الزراعة فأصابوا منها الغنى, ولم يكن لعرب الحجاز فيها كبير نصيب. فكان العربي إذا أعوزه المال اقترض ورهن عند دائنه درعه أو ثيابه أو سلاحه، وأحيانا تشتد به الحاجة ويشتط الدائن فيرهن ولده.
إلا أن الربا لم يقتصر على اليهود، بل ما زال ينتشر في مكة والطائف وخيبر ووادي القرى ويثرب حتى ألفه الناس, وصاروا يأخذون به ويعطون.