"وكان أول البواعث لجمع هذا الكتاب أني سُئلت بمرو الشاهجان في سنة "٦١٥هـ" عن حباشة: اسم موضع جاء في الحديث النبوي وهو سوق من أسواق العرب في الجاهلية، فقلت: أرى أنه حباشة بضم الحاء قياسا على أصل هذه اللغة؛ لأن الحباشة الجماعة من الناس من قبائل شتى، وحبشت له حباشة أي: جمعت له شيئا. فانبرى لي رجل من المحدثين وقال: إنما هو حباشة بالفتح، وصمم على ذلك وكابر، وجاهم بالعناد من غير حجة وناظر. فأردت قطع الاحتجاج بالنقل، إذ لا معول في مثل هذا على اشتقاق ولا عقل، فاستقصيت كشفه في كتب غرائب الأحاديث ودواوين اللغات مع سعة الكتب التي كانت بمرو يومئذ وكثرة وجودها في الوقوف وسهولة تناولها, فلم أظفر به إلا بعد انقضاء ذلك الشغب والمراء، ويأس مع وجود بحث وامتراء، فكان موافقا والحمد لله لما قلته، ومكيلا بالصاع الذي كلته. فألقي حينئذ في روعي افتقار العالم لكتاب في هذا الشأن مضبوط، وبالإتقان وتصحيح الألفاظ محوط؛ ليكون في مثل هذه الظلمة هاديا، وإلى ضوء الصواب داعيا، وشرح صدري لنيل هذه المنقبة التي غفل عنها الأولون ولم يهتد الغابرون ... إلخ ما قال".