من كل بلد تجارته وصناعته كما يحمل إليها أدبه، فإليها يجلب الخمر من هجر والعراق وغزة وبصرى، والسمن من البوادي، ويرد إليها من اليمن البرود الموشّاة والأدم، وفيها الغالية وأنواع الطيب وأدوات السلاح.
ويباع فيها الحرير والوكاء والحذاء والمسيّر والعدني، يحملها إليها التجار من معادنها، وفيها من زيوت الشام وزبيبها وسلاحها ما اعتادت قريش أن تحمله في قفولها إلى مكة. ويعرض فيها كثير من الرقيق الذي ينشأ عن الغزو, وسبي الذراري فيباع فيها بيع المتاع التجاري١.
ويبيع فيها كل غازٍ سَلَبه, وكثيرا ما يكون هذا البيع سببا في قتل صاحبه إذا أبصر السلاح أحد من ذوي المقتول فعرفه، فإنه يضمرها في نفسه وينتظر أن يظفر بالرجل ليثأر منه.
١ من ذلك أم عمرو بن العاص، فقد كانت سبية بِيعت في عكاظ، عرفنا أمرها في خبر طريف يقصه ابن عبد ربه: خاطر رجل إلى أن يقوم إلى عمرو بن العاص وهو في الخطبة فيقول: "أيها الأمير، من أمك؟ " ففعل، فقال له: "النابغة بنت عبد الله, أصابتها رماح العرب فبِيعت بعكاظ، فاشتراها عبد الله بن جدعان للعاص بن وائل، فولدت فأنجبت، فإن كانوا جعلوا لك شيئا فخذه! ". العقد الفريد ١/ ٦٣ "سنة ١٩٤٠".