امتاز منهم جميعا فسار بهذه السنة إلى شوط بعيد لم يبلغه أحد قبله ولا بعده، ولا غرو فقد كان من الغنى بالمكان المشهور وأسعفه في التجارة حظ قلما أتيح لغيره. وعلى يده وأيدي إخوته فتحت لقريش أسواق في بلاد الروم وفارس والحبشة، فصنع للحاجّ ما لم يصنعه أحد. ونحن عارضون لك من ذلك ما وصفه ابن أبي الحديد ومنبهوك خاصة على شرف هاشم وكمال مروءته في حرصه على ألا يطعم الحاج إلا ما حل كسبه:
كان يقوم أول نهار اليوم الأول من ذي الحجة فيسند ظهره إلى الكعبة من تلقاء بابها, فيخطب قريشا فيقول: "يا معشر قريش, أنتم سادة العرب، أحسنها وجوها وأعظمها أحلاما وأوسطها أنسابا وأقربها أرحاما. يا معشر قريش, أنتم جيران بيت الله, أكرمكم بولايته وخصكم بجواره دون بني إسماعيل، وحفظ منكم أحسن ما حفظ منكم جار من جاره, فأكرموا ضيفه وزوار بيته, فإنهم يأتونكم شعثا غبرا من كل بلد. فورب هذه البنية، لو كان لي مال يحمل ذلك لكفيتكموه, ألا وإني مخرج من طيب مالي وحلاله ما لم يقطع فيه رحم ولم يؤخذ بظلم ولم يدخل فيه حرام فواضعه، فمن شاء منكم أن يفعل مثل ذلك فعل. وأسألكم بحرمة هذا البيت ألا يخرج منكم رجل من ماله