للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكل فضفاضة مضاعفة ... من نسج داود غير مؤتشب

لما التقينا مات الظلام ودا ... ر الموت دور الرحى على القطب

فكلنا يستكيض صاحبه ... عن نفسه والنفوس في كرب

إن حملوا لم نرم مواضعنا ... وإن حملنا جثوا على الركب١

وهي أبيات فريدة في وصف أسلحة المسلمين، وتصوير بلائهم، لا نجد لها شبيهًا في كل ما لدينا من شعر الفتوح.

كما تُروى له أبيات قالها في محبسه لزوج سعد، عندما سألته: فيمَ حبسه سعد؟ فأجاب: والله ما حبسني في حرام أكلته ولا شربته، ولكني كنت صاحب شراب في الجاهلية، وأنا امرؤ شاعر يدب الشعر على لساني، فينفثه أحيانًا، ولأني قلت:

إذا مت فادفنى إلى أصل كرمة ... تروي عظامي بعد موتي عروقها

ولا تدفنني بالفلاة فإنني ... أخاف إذا ما مت ألا أذوقها

ليروي بخمر الحص لحمي فإنني ... أسير لها من بعد ما قد أسوقها٢

وهذه رواية نميل إليها، وإن كنا نلاحظ عليها شيئًا، فغير معقول أن يعاقر أبو محجن الخمر في ميدان القتال، كما ذهبت إلى ذلك بعض الروايات، كما أنه لا يمكن أن نتصور أن يحبس سعد شاعرًا لأبيات قالها، وإن كنا نعتقد أن أبا محتجن صادق فيما قاله لزوج سعد، من ممارسته للخمر في الجاهلية وإقلاعه عنها فيما بعد ذلك.

والذي نراه أن سعدًا قد حبس الشاعر في حقيقة الأمر لسبب خفي وإن كان احتج بشعره في الخمر ليدينه به، فأما هذا السبب فهو شغب أبي محجن مع غيره من وجوه القوم قبل بدء القتال في القادسية، ونسبتهم سعدًا إلى الجبن، عندما قعد عن قيادة المعركة بسبب ما ألم به من المرض. ومما يؤكد هذا اقتران حبس الشاعر بقصته مع سلمى زوجة سعد وأرملة المثنى، في نفس الليلة التي نسبت فيها سلمى هي الأخرى قعود


١ الخزانة ج١، ص٥٥٦.
٢ الأغاني ج٢١، ص١٤٠.

<<  <   >  >>