للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكتب سعد بهذا إلى عمر، فكتب عمر إليه بأن يعطيه على بلائه، فأعطاه ألفي درهم.

وكان عمر بن الخطاب يثق بقدرته الحربية ثقة كبيرة، ويتجلى ذلك في المقابلة التي تمت بينهما، حين أرسله إليه سعد بن أبي وقاص عقب القادسية وراح عمر يسأله عن أحوال المجاهدين، وعن سعد في جنده فقال عمرو: هو لهم كالأب.. أعرابي في نمرته، أسد في تامورته، نبطي في حبوته، يقسم بالسوية، ويعدل في القضية، وينفر من السرية، وينقل إلينا حقنا كما تنقل الذرة، وكان سعد قد كتب إلى الخليفة يثني على عمرو ويذكر بلاءه فقال عمر: "لشد ما تقرضتما الثناء"، ثم أخذ يسأله عن الحرب، فقال عمرو: مرة المذاق إذا قلصت عن ساق، من صبر فيها عرف، ومن ضعف فيها تلف، وهي كما يقول الشاعر:

الحرب أول ما تكون فتية ... تسعى بزينتها لكل جهول

حتى إذا استعرت وشب ضرامها ... عادت عجوزًا غير ذات خليل

شمطاء جزت رأسها وتنكرت ... مكروهة للشم والتقبيل

فعاد عمر يسأله عن السلاح فقال عمرو: "الرمح أخوك، وربما خانك، والنبل منايا تخطئ وتصيب، والترس هو المجن، وعليه تدور الدوائر، والدرع مشغلة للفارس، متعبة للراجل، وإنها لحصن حصين". ثم سأله عن السيف فقال: "ثم قارعتك أمك عن الثكل". فقال عمر: "بل أمك قارعتك" فقال عمرو: "الحمى أضرعتني"١. وخرج عمرو والخليفة يعلوه بالدرة، ثم ما لبث أن قال عند منصرفه في الطريق:

أتوعدني كأنك ذو رعين ... بأنعم عيشة أو ذو نواس

فكم قد كان قبلك من مليك ... عظيم ظاهر الجبروت قاس

فأصبح أهله بادوا وأمسى ... ينقل من أناس في أناس

فلا يغررك ملكك كل ملك ... يصبر مذلة بعد الشماس٢


١ ابن قتيبة ج١، ص٣٣٣، ٣٣٤، البلاذري ص٢٨٧، ٢٨٨.
٢ مروج الذهب ج٢، ص٢١٧.

<<  <   >  >>