للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتكشف الأبيات عن جاهلية في نفسه. وتفيض الروايات بذكر بلاء عمرو وتفانيه في الفتوح، مما يثبت بعد نظر أبي بكر يوم وهبه حياته، فكان عند حسن ظنه، فأبلى في كل وقعة شهدها بلاء حسنًا، شهد اليرموك، وقيل عنه يومها: إنه كان أشرف رجل برز؛ ذلك أنه خرج إليه علج فقتله، ثم آخر فقتله، وهكذا.. وانهزم الروم ولم يتوقف، وتبعهم حتى أفنى جمعًا عظيمًا منهم. ولكن الرواسب الجاهلية تبرز في سلوكه عندما ينصرف إلى خباء له فينزل ثم يدعو بالجفان، ويدعو من حوله، والناس يتساءلون عنه فيقال لهم: إنه عمرو بن معديكرب فارس اليمن١، وبرغم أن عينه أصيبت يوم اليرموك فإن ذلك لم يثنه عن مواصلة الجهاد٢.

وتحول عمرو إلى العراق، فشهد مع أبي عبيد بن مسعود الثقفي وقعة الجسر٣، ثم شهد مع سعد بن أبي وقاص القادسية. وبالطبع لا بد أن يكون قد شهد مع المثنى المعارك التي كانت بين الجسر والقادسية، وإن كنا لا نجد له أخبارًا فيها ولا شعرًا. وكتب عمر إلى سعد بالقادسية بأن يصدر عن مشورة عمرو في الحرب٤، وعده عمر بمقام ألف رجل٥، وأخذ عمرو يباشر المعركة، ويمر بين صفوف المسلمين، يحمسهم ويدفعهم بنداءاته: "كونوا أسودًا أشداء، فإن الفارس إذا ألقى رمحه تيس".. "ألزموا خراطيم الفيلة السيوف، فإنها ليس لها مقتل إلا خراطيمها" وكاد أن يقتل أكثر من مرة؛ إذ أصابته فجأة في سية قوسه نشابة، فحمل على من رماه فطعنه ودق صلبه، ونزل إليه فأخذ سلبه٦.

ويروى أنه حمل في هذا اليوم وحده، وجعل يضرب الفرس حتى لحق به المسلمون، وقد أحدق به الأعداء وهو يضرب فيهم بسيفه، فنحوهم عنه٧. كما يذكر


١ الإصابة ج٥، ص١٩.
٢ نفس المرجع.
٣ الاستيعاب ص٣٥٢.
٤ أسد الغابة ج٤، ص١٣٤.
٥ الإصابة ج٥، ص١٩.
٦ نفس المرجع.
٧ نفس المرجع.

<<  <   >  >>