للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ثمار هذا الفهم الجديد، اتجاه هذه المدرسة المقالية إلى درس الشعب وتعمُّق درسه، وعرض هذا الدرس، وإظهار الشعب على نفسه فيما تنتج له من الآثار١، الأمر الذي يجعل من لغة الاتصال بالشعب في المقال الصحفي لغة "المغزى والمعنى والأهمية؛ لأنها تقوم على الوظيفة الهادفة والوضوح والإشراق، بحيث تكاد تكون فنًّا تطبيقيًّا قائمًا بذاته. فالفن الصحفي تعبير اجتماعي شامل، ولغته ظاهرة مركبة خاضعة لكل مظاهر النشاط الثقافي إلى جانب السياسة والتجارة والاقتصاد والموضوعات العامة"٢. وهذه اللغة في مقال طه حسين هي لغة الفنّ الصحفي التي تقترب من لغة الأدب, وتمتاز بالسلاسة والواقعية والتبسيط، بحيث تحقق التقارب بين مستويات اللغة: العلمي والأدبي والعملي، على النحو الذي يدُلُّ على تجانس المجتمع، وتوازن طبقاته, وحيوية ثقافته، ومن ثَمَّ إلى تكامله وسلامته العقلية، فمن الثابت -كما يقول الدكتور إمام٣: إن العصور التي يسود فيها نوعٌ من التآلف بين هذه المستويات هي غالبًا أزهى العصور وأرقاها, ولقد حرصت البلاغة الجديدة في مقال طه حسين على تحقيق أمرين لا يرضى بدونهما٤:

الأول: أن يقوم المقال على نثرٍ فصيحٍ مستقيم اللفظ نقيِّ الأسلوب بريء من الابتذال، متحرر من أغلال البيان والبديع.

الثاني: أن يكون النثر، على كلِّ ما قدَّمْنَاه ملائمًا لذوق "الكثرة المطلقة من الذين يقرءون الصحف والكتب"٥, وأن يكون كذلك قيِّمًا في معناه كما هو قيّمٌ في لفظه أيضًا، ومعنى هذا أن الكثرة المطلقة من القراء عند طه حسين٦ تحرص في حياتها كلها على أمرين: تحرص على قديمها؛ لأنها لا تريد أن تمحو شخصيتها، وتحرص على الجديد؛ لأنها لا تريد أن تكون أقلَّ من الغرب علمًا ولا أدبًا ولا حضارة, وهذا النثر هو وحده -عند طه حسين- الملائم لهذا الذوق الجديد, وهذه الآمال الجديدة٧.

ولعلَّ في ذلك ما يضع البلاغة الجديدة التي ارتبطت بالمقال الصحفي عند طه حسين في إطارها الصحيح، ذلك أن كثيرين من المتأدبين لا يزالون يسيئون الظنَّ بالأسلوب الصحفي، وقد يزعمون أنه الأسلوب القريب من


١ الكاتب المصري, أكتوبر ١٩٤٥, مرجع سابق, ألوان ص١٧.
٢ الدكتور إبراهيم إمام: مرجع سبق ص٤٥، ٤٧، ٤١.
٣ الدكتور إبراهيم إمام: مرجع سبق ص٤٥، ٤٨، ٤١.
٤، ٥ الدكتور طه حسين: حافظ وشوقي ص٧٣.
٦، ٧ المرجع نفسه ص٧٣.

<<  <   >  >>