للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العامية لأنه كثيرًا ما يأخذ منها١، وقد يزعمون أنه الأسلوب الذي لا يخضع كثيرًا لقواعد اللغة والنحو٢, وقد يزعمون أنه الأسلوب الذي لا يتقَيَّد بالأذواق الأصيلة للغة الفصحى٣. وواقع الأمر أن الأسلوب الصحفي بريء من كل هذه الصفات، ذلك أنه الأسلوب الذي يستَمِدُّ بلاغته الحقيقية من الارتباط بالواقع, ومن الحياة العامة، ومن مخاطبته ألوف الألوف من القراء الذين لا بُدَّ لهم من فهمه جيدًا٤. فالواقعية إذن فضلًَا عن كونها من صفات الأسلوب الصحفي، مصدرٌ من مصادر القوة والبلاغة في هذا الأسلوب, ذلك أن براعة الكاتب الصحفي هي في أن يجعل القارئ شاهدًا من شهود العيان، وشريكًا له في الحكم على القضية السياسية أو الاجتماعية التي يعرضها في صحيفته٥. لهذه الأسباب وأمثالها يمكن النظر إلى الأسلوب الصحفي على أنه من الأساليب البليغة بالمفهوم القديم للبلاغة على أقل تقدير من أنها "مطابقة الكلام لمقتضى الحال".

وتأسيسًا على هذا الفهم، فإن بلاغة الاتصال بالجماهير، هي التي تذهب بطه حسين إلى تصحيح مفهوم اللغة وتحريرها من أغلالها القديمة "لتصبح منطلقة إلى غاياتها بلا أثقال، معبَّرة عن المعاني في يسر وسهولة, منتشرة بين أوسع رقعة من الناس، دون أن تحبس نفسها في دائرة ضيقة لا يفهمها إلا عدد من خاصة الخاصة"٦. ذلك أن طه حسين يريد للغة العربية أن تستجيب لحاجات العصر "وكل ما نريده لهذه اللغة هو أن تسلك سبيلها في الحياة والاستحالة"٧, ذلك أن اللغة -كذلك- ظاهرة "من ظواهر الاجتماع الإنساني، لم يصنعها فردٌ بعينه ولا جماعةٌ بعينها, وإنما اشتركت في وضعها الأمة التي تتكلمها"٨, وعلى ذلك يذهب طه حسين إلى ملاءمة اللغة "لنفسية الأمة وحاجاتها, والظروف التي تحيط بها"٩, فاللغة في حقيقة الأمر ليست إلّا "أثرًا لهذه النفسية والحاجات والظروف"١٠.

ومن أجل ذلك يذهب طه حسين إلى تحقيق التقارب بين المستويات اللغوية، تأسيسًا على أن "الذوق الأدبي العام لا يتغيَّر بتغيُّر مَنْ تتحدث إليه, وقد تختلف الرسائل عسرًا ويسرًا, وتختلف لينًا وشدة باختلاف مَنْ تتحدث إليه، فللصحف لغة وأساليب ليست للكتب التي يؤلفها العلماء للعلماء،


١، ٢، ٣ الدكتور عبد اللطيف حمزة: أدب المقالة جـ٨ ص٣٣٩، ٤٠٠.
٤ المرجع السابق ص٤٠١، ٤٠٢.
٥ المرجع السابق ص٤٠١, ٤٠٢.
٦ عبد المنعم الصاوي: مجلة الثقافة ديسمبر ١٩٧٣.
٧ السياسة في ٦ يونيو ١٩٢٣, حديث الأربعاء جـ٣ ص١٠-١٣.
٨ السياسة في ١٣ يونيو ١٩٢٣, المرجع السابق ص١٦.
٩، ١٠ السياسة في ٢٧ يونيو ١٩٢٣, المرجع السابق ص٣٣، ٣٤، ٣٥.

<<  <   >  >>