للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يشملها فتور مهلك"١, فإن الحياة السياسية والاجتماعية -كما يبين مما تقدَّم- يشملها فتور "مدن من الهلاك"٢ ومواجهة الأمرين وإن تعددت في الأساليب، إلا أنها تلتقي في رؤيا صحفية شاملة تذهب إلى استخدام المقال الصحفي في إيقاظ القراء، كما ذهبت إلى استخدام المقال النقدي "إيقاظ النائمين بالعنف٣، وهو لذلك قد يتوسَّل بالنزال أو الكاريكاتير أو التحليل الصحفي، تعمدًا لإيقاظ قوم نيام، قد طال عليهم النوم حتى كاد يشبه الموت"٤. أو كما يلخص حالهم في المثل العربي القديم: "جوع وأحاديث"٥ الذي اتخذه عنوانًا للمقال المتقدِّم, ويذهب إلى أنه "لم يوضع إلّا لهم، ولم يضرب إلّا فيهم، ولم يصوِّر إلا ما دأبوا عليه وتورطوا فيه، من كلام كثير لا يغني، وعمل قليل لا يفيد"٦.

وصفوة القول: إن فن المقال الصحفي في أدب طه حسين بأساليب تحريره المتنوعة، يرتبط باستراتيجية قومية لا تفصل بين أساليب التحرير ومضمون المقال، من خلال نموذج اتصالي بالجماهير, يتمثَّل فيه مكانه من قيادة الفكر في تكوين الرأي العام المصري، الأمر الذي يوجِّه مقاله الصحفي إلى النهوض بمهام التوجيه والإرشاد والتقويم والتثقيف والتنشئة الاجتماعية، وهو لذلك يُعْنَى بالاجتماع والسياسة والاقتصاد عنايته بالفن والثقافة جميعًا، بحيث يمكن القول: إن طه حسين قد انتقل بالمقال الصحفي المصري من مرحلته اللغوية الأولى، إلى حيث أصبح يمثل العقل الذي يفسر ويوازن ويحلل ويشرح، ولم يعد ذلك اللسان المتبرع بالمدح أو الذمِّ وفقًا للأهواء دون ما ضابط. والواقع أن المقال الصحفي أخذ يقترب كثيرًا من الخبر والتحقيق الصحفي من حيث الموضوعية والدراسة، فهو عند طه حسين يشتق موضوعاته من الحياة الواقعة، وكذلك يشتق لغته من نفس تلك الحياة الواقعة، ويكتب باللغة التي يفهمها أكبر عدد ممكن من الشعب على اختلاف أذواقهم أو أفهامهم أو بيئاتهم وثقافاتهم، وهذه اللغة هي اللغة القومية في مستواها العملي وليست صورتها العامية، لأنها تمتاز بالبساطة والوضوح والإيناس واللطف والرشاقة، وتنأى ما أمكن عن صفات التعالي على القرَّاء, والتقَعُّر أو الغرابة في الأسلوب, والمبالغة في التعمق الذي لا تقبله طبيعة الصحف بحالٍ ما، على نحو ما تمثله البلاغة الجديدة في الاتصال بالجماهير.


١، ٢، ٣ مجلة الثقافة في ٣ يناير ١٩٣٩, فصول في الأدب والنقد ص١١.
٤ المرجع السابق ص١٠.
٥، ٦ البلاغ في ١٧ نوفمبر ١٩٤٧, بين ص١٤٨.

<<  <   >  >>