الثاني: التحريم إذا كان الاستثناء شكاً في الإيمان، فإن قال " أنا مؤمن إن شاء الله " شاكاً في حقيقة إيمانه فهو كافر، لأن حقيقة الإيمان بالقلب اليقين، واليقين لا يقبل أي قدر من الشك وإلا فهو كفر، وقد أطلق على مثل هؤلاء: الشكاكة. الثالث: الجواز وهو خير الأمور، لأنه وسط بين الفريقين، المحرمة والموجبة، فإن أراد المستثني في إيمانه الشك، منع من ذلك، وإن قصد أنه مؤمن من الذين عزموا على الثبات على دينهم، وعلى تطبيق مقتضياته إلى يوم لقاء الله ولا يعلم عاقبة أمره في غد، راجياً عفو الله ومعافاته جاز له ذلك أيضاً. (٢٠٥) نص الشافعي في " الفقه الأكبر ": (فصل، واعلموا أن قول أهل السنة والجماعة:"إِنّا مؤمنون إِن شاء الله تعالى ". ليس في الإيمان الحاصل الحاضر لهم، وإنما الشك في الإيمان المثاب عليه، فذلك منوط بالعاقبة بالاتفاق. والعاقبة مغيبة علينا. فالشك واقع في المغيب لا في الحاصل الموجود. فإن كانت العاقبة مساعدة السابقة في حصوله فالأحوال كلها متساوية في الإيمان. وإن كانت العاقبة في الردة ونعوذ بالله منها لم يكن ما سبق محتسباً من الإيمان. فلهذا المعنى قالوا:"إِنا مؤمنون إن شاء الله تعالى "، وامتنعوا من قول:"إَنا مؤمنون حقاً " لأَن ذلك يوهم القطع بالعاقبة والمواقعات، فيؤدي إلى الخطأ. وأَهل السنة يحترزون عن معاني الخطأ، ويحترزون عن العبارات الموهمة بالخطأ. ومن أنصف من نفسه لا يخالف في ذلك / اه) . (انظر: الفقه الأكبر المنْسوب للشافعي ص ٢٦. وفي نسبة الفقه الأكبر إلى الشافعي شك: كما ورد في كشف الظنون ٢/١٢٨٧. وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٣/٢٩٩) . (٢٠٦) جمال الدين بن جملة الشافعي، أبو الثناء محمود بن محمد بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن تمام بن يوسف، خطيب الجامع الأموي بدمشق ولد سنة ٧٠٧ هـ /١٣٠٧م وسمع من جماعة، وحفظ التعجيز لابن يونس، وتفقه على عمه القاضي جمال الدين وأفتى ودرس بالظاهرية البرانية ثم ولي خطابة دمشق، رشحه إليها قضاة دمشق وفقهاؤها سنة ٧٤٩ هـ / ١٣٤٨ م فانقطع لها وأعرض عما سواها من الوظائف مشتغلاً بالإفتاء والتدريس والتأليف، مستعلياً بعقيدته وعلمه. ولما دخل السلطان المنصور دمشق زاره في المسجد فلم يعبأ به ورد عليه السلام من المحراب. قال عنه السبكي في الطبقات:(قلَّ أن رأيت نظيره) . توفي رحمه الله في رمضان سنة ٧٦٤ هـ /١٣٦٣ م. ومن تصانيفه: الوقاية الموضحة لشرف المصطفى - فرائض ابن جملة. (انظر: - الشذرات ٦/٢٠٣ - الدرر ٤/٣٣٢، طبقات الشافعية ٦/٢٤٨ - الأعلام ٧/١٨٣) . (٢٠٧) رفع اليدين في الصلاة عند الركوع والرفع منه: سنة عند الشافعي، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد لا يجوز لأنه عمل كثير. وقد أفتى الشيخ قوام الدين أمير كاتب الأتقاني الحنفي ببطلان الصلاة برفع اليدين، وصنف في ذلك مصنفاً فرد عليه الشيخ تقي الدين السبكي الشافعي وغيره، كما ذهب إلى بطلان الصلاة برفع اليدين مكحول النسفي أبو مطيع الحنفي في كتابه " الشعاع في الفقه ". (انظر: الأم ١/١٧٢، ٧/٣٥٨ - الهداية: ١/٥١ - شرح معاني الآثار ١/٢٢٢، شذرات الذهب ٦/١٨٥، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٣/٢٦١ - ٤/٧٥) . (٢٠٨) مكحول النسفي: هو مكحول بن الفضل النسفي، أبو مطيع، من بلخ، فقيه محدث، حافظ، رحال، كان تلميذاً ليحيى بن معاذ المتوفى في نيسابور سنة ٢٥٨ هـ - ٨٧١ م، والذي تتلمذ لأبي عبد الله محمد بن كرام المتوفى سنة ٢٥٥ هـ / ٨٦٩ م مؤسس المدرسة الكرامية في علم الكلام، التي واجهت المدرسة الماتريدية بعنف. كان أكثر تصانيف مكحول في المواعظ، وتوفي سنة ٣١٨ هـ /٩٣٠ م. من تصانيفه: الشعاع في الفقه الحنفي - اللؤلئيات في الزهد والآداب. - كتاب في فضل سبحان الله - كتاب في الرد على أهل البدع. (انظر: الأعلام: ٧/٢٨٤ - معجم المؤلفين ١٢/٣١٢، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٣/٢٦١ - ٤/٧٥) . (٢٠٩) شهادة العسكر: أبو حنيفة - خلافاً لصاحبيه وللشافعي ومالك - يرى وجوب قبول شهادة مستور الحال. ما لم يطعن فيه الخصم، لأن الأصل عنده في المسلمين هو العدالة. ولأن الظاهر من حال كل مسلم أنه يتجنب المحارم ويأتي بالمشروع، ولذلك كان مذهب أبي حنيفة أيسر وأنسب لحال الجيوش والقوافل أثناء سفرها، لا سيما فيما يجري فيها من معاملات وإشهادات ونحو ذلك. وهذا ما ذهب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رسالته إلى أبي موسى الأشعري، حيث كتب له فيها (. . . المسلمون عدول بعضهم على بعض) . ولكن عمر رجع عن ذلك بما رواه مالك في الموطأ عندما قدم رجل من العراق وأخبر عمر بفشو الزور في الناس، فقال عمر:(والله لا يؤسر رجل في الإسلام بغير العدول) . وعند المالكية أن شهادة رفقة السفر تمر بالقرى والمدائن فيتحاكمون عند حاكم القرية أو المدينة جائزة، وهي ما يسمى بشهادة التوسم. لما رواه الحكيم الترمذي في كتابه " نوادر الأصول " عن الرسول * أنه قال: إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم. وقد أجاز مالك شهادة من شهد منهم لبعضهم على بعض، وإن لم يعرفوا بعدالة ولا سخطة إلا على التوسم لهم بالحرية والعدالة، ولا تجوز هذه الشهادة في الحدود ولا في الغصب، وإنما تجوز في معاملاتهم في ذلك السفر خاصة، وإجازتها عند المالكية للضرورة مثلما أجيزت شهادة النساء فيما لا يطلع عليه إلا النساء وشهادة الصبيان بينهم في الجراحات. (انظر: - شرح أدب القاضي للخصاف ٢٤٩ - العقد المنظم للحكام لابن سلمون الكتاني ٢٠٨ - تبصرة الحكام ٢/٥ - أدب القضاء لابن أبي الدم ٩٥ نصب الراية ٤/٨١ المبسوط ١٦/٦٣، ٨٨ الاستذكار ٢٢/ ٢٨) . (٢١٠) مبادأة البغاة بالقتال: عند الحنفية والشافعية لا تجوز، وقد ذكر خواهر زادة أنها تجوز إذا تعسكروا. (انظر: - الهداية ٢/١٧٠ - المبسوط للسرخسي ١٠/١٢٥، اللباب في شرح الكتاب ٤/١٥٤ - الأم للشافعي ٨/٣٧٤، ٣٧٨) . (٢١١) الحسبة: نظام استحدثه المسلمون يسمى القائم به المحتسب، يعتبر وسطاً بين أحكام القضاء وأحكام الأمن الاجتماعي والاقتصادي للأمة، ومعناه الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه بين الناس، والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله داخل المجتمع، والأصل فيه قوله تعالى في سورة آل عمران الآية ١٠٤ × وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُوْنَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُوْنَ بِالْمَعْرُوْفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ ÷ وقد استغلت هذه الوظيفة في بعض الظروف من قبل المحتسبين فسخروها لجمع الأموال وإرهاب الناس حتى وجد من المحتسبين من ينظم البغاء في مزاد علني ويأخذُ من كل خاطئة عمولة له ولخزينة السلطان.