للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناس من حسن أثرك ما ينشر ذكره في آفاق البلاد، ويبقى على وجه الدهر-: فافترصْ «١» ذلك في أوانه. واعلم أن الذي يتعجب منه الناس:

الجزالة وكبر الهمة؛ والذي يحبون عليه: التواضع ولين الجانب. فاجمع الأمرين، تستجمع محبة الناس لك، وتعجبهم منك. ولا تمتنع أن تتكلم بما يطيب قلوب العامة؛ فإن الناس ينقادون للكلام أكثر من انقيادهم بالبطش.

ولا تحسب «٢» أن ذلك يضع من قدرك، بل يزيده نبلاً: أن تنطق بالخير إذ أنت على الشر قادر. واعلم أن التودد من الضعيف يعد ملقاً، والتودد من القوي يعد تواضعاً وكبر همةٍ؛ فلا تمتنع أن تتودد إلى العامة لتحصل لك محبتهم، وتنال الطاعة منهم. واعلم أن الأيام تأتي على كل شيء فتخلق الأفعال، وتمحو الآثار، وتميت الذكر، إلا ما رسخ في قلوب الناس، لمحبةٍ تتوارثها الأعقاب. فاجتهد أن نظفر بالذّكر الذي لا يموت، بأن تودع قلوب الناس محبة يبقى بها ذكر مناقبك، وشرف مساعيك. ولا ينبغي للمدبر أن يتخذ الرعية مالاً وقنيةً «٣» ، ولكن يتخذهم أهلاً وإخواناً. ولا ترغب في الكرامة التي تنالها من العامة كرهاً، ولكن التي تستحقها بحسن الأثر وصواب التدبير» .

قيل: بلغ بعض الملوك حسن سياسة ملكٍ آخر، فكتب إليه: «قد بلغت من حسن السياسة ما لم يبلغه ملك، فافدني: ما الذي بلغكه؟» فكتب