يقول الشدياق:"فأنت ترى أن معنى الستر والجمع دائر في جمع هذه الألفاظ، فإذا ادعى فارسي أن الكنز معرب "كنج" أو سرياني أن الكنيسة معرب "كتشى" بمعنى جماعة، قلنا لهم: بل أنتم قوم لثغ، لم يحسنوا الظن بألفاظنا فبدلتموها وحرفتموها ... ".
ويؤكد لك جهوده في تطوير اللغة والأدب، تناوله مادة بعينها ومناقشة ما ورد بشأنها في المراجع اللغوية، ومدلول مرادفها في اللغات الإفرنجية، ويمضي في تحليلها وشرح ما يتصل بها من تصورات، يقول مثلًا في "التمدن":
"لا يخفي أن لفظ "التمدن" مأخوذ من المدنية، والمدنية مشتقة من مدن بمعنى أقام على القول الأصح، وإن كان صاحب القاموس قد اضطرب فيها فجعلها مرة من دان، ومرة من مدن، وكيف كان فإن مرادف التمدن في اللغات الإفرنجية من معنى "المدينة" وهو عندهم في الأظهر عبارة عن استجماع كل ما يلزم لأهل المدينة من اللوازم البدنية والعقلية، فقولهم مثلًا: هذا رجل متمدن، ينزل منزلة قولنا: متأدب كيس خبير وما أشبه ذلك"١.
وهكذا كان الشدياق يبني حكمه على أصالة الألفاظ العربية على أساس سليم، وملاحظات زكية، ومقارنات واعية من اشتقاق الألفاظ، ونسق الأفعال، وتناسب الحروف بعضها مع بعض، كما كان يعلي من قيمة العقل في الاجتهاد اللغوي، فلا حجر على باحث ما دام العقل رائده، ولا يقف بأمانة اللغة على زمن معين، بل يمضي في تاريخ الفكر العربي ما دام هناك عقل يحسن الاستنتاج، ويجيد الاستدلال.
ومن ثم لا نعجب أن نجد الإمام محمد عبده يثني على أحمد فارس الشدياق في مجلسه لاستقامة لغته، وأصالة أسلوبه، مما جعل السيد رشيد رضا يعترض قائلًا:"أين هو من أسلوب العروة الوثقى الرفيع، ووضعكم لفرائد اللغة الطريفة في موضعها منها؟ فكان جواب الإمام:
تلك الألفاظ نديرها، أما الشيخ أحمد فارس فهو إمام في اللغة، وأسلوبه في الكتابة فغريب، فلما فطن له الأدباء، ويعجب السيد رشيد رضا من تفضيل الإمام محمد عبده لأحمد فارس على نفسه في الإنشاء مع أنه أبلغ منه! "١.
وبهذا وغيره تدرك عبقرية أحمد فارس الشدياق في اللغة والأدب، وريادته في إحياء الألفاظ العربية، واهتمامه بالإطار اللغوي في كتاباته الأدبية والاجتماعية والسياسية، كما كان لصحيفته "الجوائب" دورها البارز في شيوع ألفاظ عربية، بعد أن استخرجها من دفائن المعاجم، وجعلها تدور على الألسنة، وتردد على الأفواه، وتشيع بين العامة والخاصة من الناس.