للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منامه، لم يكد يجد فيها ما يكفيه هذه المئونة اليسيرة، فضلًا عما وراء ذلك من وصف قصور الملوك والكبراء، ومنازل المترفين والأغنياء، وشوارع المدن الغناء، وما ثم من آنية وأثاث، وملبوس ومفروش، وغير ذلك من أصناف الماعون وأدوات الزينة، مما لا نجد لشيء منه اسمًا في هذه اللغة، ولا يكون حظ العربي من وصفه إلا العي والحصر١، وطي لسانه على معانٍ في قلبه لا ينسى له إبرازها بالنطق، ولا يجد سبيلًا إلى تمثيلها باللفظ، كأن المقاطع التي يعبر بها عن هذه المتخصصات لم يخلق لها موضع بين فكيه، وليست ما يجري بين لهاته٢ وشفتيه، فعاد كالأبكم يرى الأشياء ويميزها، ولا يستطيع أن يعبر عنها إلا بالإشارة، ولا يصفها لا بالإيماء، يا ليت شعري، ما يصنع أجدادنا، لو دخل أحد المعارض الطبيعية أو الصناعية، ورأى ما ثمة من المسميات العضوية وغير العضوية، من أنواع الحيوان وضروب البيان وصفوف المعادن، وعاين٣ ما هناك من الآلات والأدوات، وسائر أجناس المصنوعات، وما تتألف منه القطع وأجزاء، بما لها من الهيئات المختلفة، والمنافع المتباينة، وأراد العبارة عن شيء من هذه المذكورات؟

ثم ما هو فاعل لو أراد الكلام فيما يحدث كل يوم من المخترعات العلمية والصناعية والمكتشفات الطبيعية والكيماوية، والفنون العقلية واليدوية، وما لكل ذلك من الأوضاع والحدود والمصطلحات التي لا تغادر جليلًا٤ ولا دقيقًا؟ ألا تدل عليه بلفظة المخصوص. لا ريب أن الكثير من ذلك لا يتحرك له به لسان ولا يعهد به بين ألواح معجمات اللغة، ألفاظًا يعبر بها عنه، ولا يغنيه في هذا الموقف ما عنده من ثمانين اسمًا للعسل، ومائتي اسم للخمر، وخمسمائة للأسد، وألف لفظة للسيف، ومثلها للبعير، وأربعة آلاف للداهية، وما يفوت الحصر لشيء آخر، حرص


١ الحصر: العي في النطق وعدم الإفصاح في المعنى.
٢ اللهاة: اللحمة المشرفة على الحلق من أعلى الغم.
٣ عاين: شاهد.
٤ جليلًا: عظيمًا.

<<  <   >  >>