للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتوالى الحوار على هذه الصورة، فتقف على طباع المحامين الشرعيين، وطرق احتيالهم، لم يسجع المويلحي في هذه القطعة على طريقة المقامات، ومضى في وصف المحكمة الشرعية حين وصلها "عيسى بن هشام" مع صاحبه على هذا النمط فيقول:

"ولما وصلنا إلى هذه المحكمة وجدنا ساحتها مزدحمة بالمركبات، تجرها الجياد الصاهلات، وبجانبها الراقصات من البغال والحمير، عليها سرج الفضة والحرير، فحسبناها مراكب العلماء والأمراء في بعض مواكب الزينة والبهاء وسألنا: لمن هذه الركاب؟ فقيل لنا: إنها لجماعة الكتاب، فقلنا: سبحان الملك الوهاب، ومن يرزق بغير حساب، ونحونا نحو الباب في تلك الرحاب، فوجدنا شيخًا حنت ظهره السنون، فتخطته رسل المنون، قد اجتمع عليه القمش والصمم، ولحج به الخوف، وعلمنا أنه حارس بيت القضاء، من نوازل القضاء، ثم صعدنا في السلم فوجدناه مزدحمًا بأناس مختلفي الأشكال والأجناس، يتسابون ويتشاتمون ويتلاكمون ويتلاطمون، ويبرقون ويرعدون, ويتهددون ويتوعدون، وأكثرهم أخذ بعضهم بتلابيب بعض، يتصادمون بالحيطان، ويتساقطون على الأرض، وما زلنا نزاحم على الصعود في الدرج والعمائم تتساقط فوقنا وتتدحرج، حتى من الله علينا بالفرج، ويسر لنا المخرج في وسط الجمع المتلاحق، والمأزق المتضايق"١.

وأوضح في الوصف -كما ترى- محاولة الإغراب باللفظ الفصيح، والسجع الرائق، وكأن المويلحي يعرض مهارته البيانية، وله في ذلك طرائف حين يصف روضًا أو هرمًا أو صبحًا، اسمعه يقول:

"جلسنا نتجاذب أطراف الحديث من قديم الزمان وحديث، إلى أن صارت الليلة في أخريات الشباب، واستهانت بالإزار والنقاب، ثم دب المشيب في قودها، وبان أثره الواضح في جلدها، فبعثت بالعقود والقلائد


١ راجع: المصدر السابق ص٦٧ وما بعدها.

<<  <   >  >>