للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الجواهر والفرائد، ونزعت عن صدرها كل منثور ومنظوم، من أزر الكواكب ولآلئ النجوم، وألقت بالفرقدين من أذنيها، وخلعت خواتيم الثريا من يدها، ثم إنها مزقت جلبابها، وهتكت حجابها، وبرزت للناظرين عجوزًا شمطاء، ترتعد متوكلة على عصا الجوزاء، وتردد آخر أنفاس البقاء، فسترها الفجر بملاءته الزرقاء، ودرجها الصبح في أرديته البيضاء، ثم قبرها في خوف الفضاء، وقامت على بنات هزيل نائحة بالتشنج والترتيل، ثم انقلب المأتم في الحال إلى عرس اجتلاء، وتبدل النحيب بالغناء لأشرق عروس النهار وأسفار مليكة البدور والأقمار".

حاول المويلحي في هذا الوصف أن يضع قطعة أدبية على غرار الطريقة القديمة التي يُعْنَى أصحابها بسرد عبارات مختارة دون تحديد ما يصنعون، وكأنه يصف كل صباح وتأثيره في نفسه تأثيرًا خامسًا، فأفرده بالوصف الدقيق، والتصوير الرائع، والتعبير البليغ.

"ومن الحق أنه وسع جنيات المقامة القديمة التي كانت تعتمد على مثل هذا السرد اللفظي في قطعة الصباح، وخرج بها إلى حوار واسع، فأثر فيه طريقة الغربيين في قصصهم. فالحوادث تتطور، والشخصيات تصور نزعاتها النفسية في المواقف المختلفة، ومن حين لآخر تشاهد ضروبًا من الصراع، كما تشاهد ضروبًا من السخرية المستمدة من طباع الشخصيات، ومن مفارقات الحوادث ومفاجآتها. وهو في حواره وشخصياته وحوادثها، يستمده من الواقع المحلي، ونظم البيئة المصرية إلا أن ذلك كله وضع في إطار المقامة الضيق بسجعه"١.

وهكذا عني نفر من الكتاب في مطلع هذه النهضة بالألفاظ العربية الفصيحة التي لا تدور على الألسنة كثيرًا، ولم تألفها الأسماع إلا قليلًا، واتخذوا إطارًا لغويًّا في كتاباتهم، وما فاضت به خواطرهم، ودبجه


١ راجع: الأدب العربي المعاصر في مصر ص ٢٤١ د. شوقي ضيف، الطبعة الثالثة.

<<  <   >  >>