للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعمال إلا بالأقرب فالأقرب، مما دنا منهم أو وجوده بسبيل شيء من الأمر فوقع رجال مواقع شائنة لجميع أهل الفريق حينما وقعوا من حماية خليفة أو ولاية عمل، أو موضع أمانة أو موطن جهاد، وكان من أهل الفضل أن يقصدوا حيث يلتمسون، فأبطأ ذلك بهم أن يعرفوا، وينتفع بهم، وإن كان صاحب السلطان ممن لا يعرف الناس قبل أن يليهم، ثم لم يزل يسأل عنهم من يعرفهم، ولم يستثبت في استقصائهم، زالت تلك الأمور عن مراكزها، ونزلت الرجال عن منازلها؛ لأن الناس لا يلقونه إلا منصفين بأحسن ما يقدرون عليه من الصمت والكلام، غير أن أهل النقص هم أشد تصنعا، وأحلى ألسنة، وأرفق تلطفا للوزراء، وتمحلا لأن يثنى عليهم من وراء وراء، فإذا أثر الوالي أن يستخلص رجلا واحدا ممن ليس ذلك أهلا، دعا نفسه جميع ذلك الشرج١، وطمعوا فيه واجترءوا عليه، وتواردوه وترحموا على ما عنده، وإذا رأى ذلك أهل الفضل كفوا عنه، وباعدوا منه، وكرهوا أن يروا في غير موضعهم أو يزاحموا غير نظرائهم ... ".

ويعرض بأهل الشام فيقول: "ومما يذكر به أمير المؤمنين أهل الشام، فإنهم أشد الناس مؤنة، وأخوفهم عداوة وبائقة، وليس يؤاخذهم أمير المؤمنين بالعداوة، ولا يطمع منهم في الاستجماع على المودة، فمن الرأي في أمرهم أن يختص أمير المؤمنين منهم خاصة، ممن يرجون عنده صلاحا، أو يعرف منه نصيحة أو وفاء، فإن أولئك لا يلبثون أن يتفضلوا على أصحابهم في الرأي والهدى، ويدخلوا فيما جمل عليه من أمورهم، فقد رأينا أشباه أولئك من أهل العراق والذين استدخلهم أهل الشام، ولكن أخذ في أمر أهل الشام على القصاص: حرموا كما كانوا يحرمون الناس، وجعل فيئهم في غيرهم إليهم كما كان فيء غيرهم إليهم، ونحوا عن المنابر والمجالس والأعمال كما كانوا ينحون عن ذلك من لا يجهلون فضله في السابقة والموضع، ومنعت منهم المرافق، كما كانوا يمنعون الناس أن ينالوا معهم أكلة من الطعام الذي يصنعه أمراؤهم للعامة ... ".

ويتحدث عن أصحاب الخليفة، وكيف يختارون مما يدل على إلمام ابن


١ الشرح: النوع والمثل.

<<  <   >  >>