المقفع بشئون الدولة، مبهما السياسة، فيقول:"ولصاحبة أمير المؤمنين -أكرمه الله- مزية وفضل، وهي مكرمة سنية حرية أن تكون شرفا لأهلها، وحسيا لأعقابهم حقيقة أن تصان وتحظر، ولا يكون فيها إلا رجل برر بخصلة من الخصال، أو رجل له عند أمير المؤمنين خاصة بقرابة أو بلاد، أو رجل يكون شرفه ورأيه وعمله أهلا لمجلس أمير المؤمنين، وحديثه ومشورته، أو صاحب نجدة يعرف بها، ويستعد لها، جمع مع نجدته حسبا وعفافا، فيرفع من الجند إلى الصحابة، أو رجل فقيه مصلح يوضع بين أظهر الناس لينتفعوا بصلاحه وفقهه أو رجل شريف لا يفسد نفسه أو غيرها. فأما من يتوسل بالشفاعات فإنه يكتفي أو يكتفى له بالمعروف، والبر فيما لا يهجن رأيا، ولا يزيل أمرا عن مرتبته، ثم تكون الصحابة المخلصة على منازلها ومداخلها، لا يكون للكاتب فيها أمرا في رفع رزق ولا وضعه، ولا للحاجب في تقديم أذن أو تأخيره. ومما يذكر به أمير المؤمنين أمر تفيان أهل بيته وبني أبيه وبني علي وبني العباس، فإن فيهم رجالا لو متعوا بجسام الأمور والأعمال سدوا وجوها، وكانوا عدة لأخرى"١.
الرسالة طويلة -كما ترى- تتضمن فكرا سياسيا شديد الخطر في النقد والتوجيه لسكان الأمصار الإسلامية، واختيار الحكام الذين يركن الخليفة إليهم؛ ولذا لا نبالغ إذا قلنا: إن الرسالة مقال يرسم سياسة الدولة، ويدير شئون الرعية، وينقد نظام الحكم، ويبين وجوه الإصلاح، ثم هي تتميز بأسلوب ممتع يخضع للمعنى العميق والهدف الواضح، وهذا ما يجب توفره في المقال الاجتماعي والسياسي اليوم.