للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأيتهم شديدي الحرص على لغتهم، فزادوني حرصًا على لغتي، أبصرتهم يتفانون في الدفاع عن بلادهم، ويحرمون الأجانب من الاستيلاء على بعض شئونهم أو التصرف في أموالهم ورقابهم، فأخذت أحاكيهم في هذه البلاد السيئة الحظ بالاحتلال وأشياعه. رأيتهم يحبون الصراحة ولا يخشون معتبة ولا يتهيبون معتبة ما دام الحق لهم، فأخذت أحكايهم في تلك الفضائل التي نصح بها عمادهم بنظارة المعارف العمومية.

أبصرتهم يحبون العمل ويكرهون الكسل ويحضون على الفضيلة، فعدت إلى بلادي ثم صرت أشتغل بهمة لا تعرف الملل ولا الانقطاع، فكان حقًّا على الإنجليز أن يرفعوا عقيرتهم. ويقوم خطباؤهم وشعراؤهم بالإفاضة والإسهاب في مدح من نجح في تقليدهم ومحاكاتهم في فضائلهم، ممن يرحلون إلى بلادهم من المصريين".

الشيخ عبد العزيز جاويش شخصية إصلاحية باهرة، ذات كفاية علمية وثقافية عريضة، وخيرات عديدة، وتجارب متعددة، اكتسبها خلال رحلاته خارج وطنه بأوربا وأمريكا، ترسم الرجل خطى المصلحين من قبله، فجاء مذهبه الإصلاحي في التربية والاجتماع والسياسة خلاصة وافية لآرائهم الحرة، وأفكارهم النيرة، وحملاتهم المخلصة، ومن ثم كان اتجاهه في القضاء على الفساد والظلم، واهتمامه بضروب الإصلاح ووجوه التقويم، وتأليب النفوس على الاستعمار وأعوانه من المستوزرين وغيرهم ممن عاشوا في ركاب المستعمر.

والذي يرجع إلى كتابات الشيخ عبد العزيز جاويش في مجال التربية والاجتماع والسياسة، يحس بإخلاصه في حملاته الإصلاحية التي تحمل غيرته ووطنيته وسلامة دينه. كما ضمت مجلته "الهداية" فصولًا فريدة في مجال الإصلاح الاجتماعي، كما عرض فيها قضايا عديدة في الاجتماع وعلم النفس ومسائل العمران، مما جعله مصلحًا اجتماعيًّا كبيرًا، وإماما دينيًّا عظيمًا، ورائدًا فريدًا عرفته نهضتنا العربية الحديثة.

<<  <   >  >>