للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلم تكن بين المسلمين والأقباط تلك الروح الشريرة، ولو كانت في فطرة المسلمين أو فطرة الفريقين لتلاشت الأكثرية الأقلية في عصور مضت، وخصوصًا في عصور كانت الجهالة فيها سائدة.. وقدم على القطر المصري منذ أول عهد المرحوم محمد علي باشا الكبير وفود من كل الطوائف المسيحية شرقية وغربية، فلقي الكل في مصر صدرًا رحبًا. كان منهم الموظفون في كل مصلحة حتى تولى نوبار باشا رئاسة النظار. وهو أرمني وكان قائمقام الخديوي ورئيس الاحتفال بموكب المحمل الشريف، فهل يوجد في أمة غير الأمة المصرية مثل هذا التساهل فيرأس احتفالًا دينيًّا مسيحيًّا مسلم أو غير مسيحي؟

وكان من علمائهم الأساتذة والمعلمون ونظار المدارس والمكتشفون، فهل الأمة التي تربي أبناءها على أيدي الأساتذة من غير دينها تعد متعصبة؟

وظل يدلل على تساهل الأمة المصرية، والتسامح الذي شاع بين أبنائها في قوة ومنطق، وختم مقاله الطويل بقوله: "أيها المدعون، راقبوا الله في أمة رزئت بالإهمال في شئونها حتى انحلت عرى الجامعة بين أفرادها، وذهبت منها ريح العصبية في كل شيء، فحرام عليكم مع هذا الانحلال أن تتهموها بالتعصب في أشد حالاتها"١.

عالج الشيخ علي يوسف في كتاباته جميع المشكلات السياسية والاجتماعية والدينية التي أوقدها الاحتلال، لا سيما الخصومة الدينية التي أثارها المحتل ضد أقباط مصر، اهتم الشيخ علي بها، وعالجها من الناحية الواقعية، ودعا إلى التمسك بالوحدة القومية التي تقوم على مبدأ الوحدة الوطنية التي لا انفصام لها، كما حذر من الفتن وطالب بوأدها، حتى يظهر المواطنون -مسلمون وأقباط- صفًّا واحدًا وجبهة واحدة أمام مؤمرات المحتل ودسائس أعوانه.


١ راجع: دراسات أدبية ص٢٢٢ وما بعدها لعمر الدسوقي طبعة نهضة مصر.

<<  <   >  >>